الفصاحة والمشهورين باللسن والبلاغة ، ويقال إنه وقع ليلة بحضرة هارون الرشيد زيادة على ألف توقيع ولم يخرج في شيء منها عن موجب الفقه ، وكان أبوه ضمه إلى القاضي أبي يوسف الحنفي حتى علمه وفقهه ذكره ابن القادسي في كتاب أخبار الوزراء. واعتذر رجل إليه فقال له جعفر قد أغناك الله بالعذر منا عن الاعتذار إلينا وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك. ووقع إلى بعض عماله وقد شكا منه : قد كثر شاكوك وقل شاكروك فإما اعتدلت وإما اعتزلت. ومما ينسب إليه من الفطنة أنه بلغه أن الرشيد مغموم ، لأن منجما يهوديا زعم أنه يموت في تلك السنة يعني الرشيد وأن اليهودي في يده فركب جعفر إلى الرشيد فرآه شديد الغم فقال لليهودي : أنت تزعم أن أمير المؤمنين يموت إلى كذا وكذا يوما قال : نعم قال : وأنت كم عمرك ؟ قال : كذا وكذا أمدا طويلا فقال للرشيد : اقتله حتى تعلم أنه كذب في أمدك كما كذب في أمده ، فقتله وذهب ما كان بالرشيد من الغم وشكره على ذلك وأمر بصلب اليهودي فقال أشجع السلمي في ذلك :
سل الراكب الموفي على الجذع هل رأى |
|
لراكبه نجما بدا غير أعور |
و لو كان نجم مخبرا عن منية |
|
لأخبره عن رأسه المتحير |
يعرّفنا موت الإمام كأنه |
|
يعرفنا أنباء كسرى وقيصر |
أتخبر عن نحس لغيرك شؤمه |
|
و نجمك بادي الشر يا شر مخبر |
ومضى دم المنجم هدرا بحمقه. وكان جعفر من الكرم وسعة العطايا كما هو مشهور ، ويقال إنه لما حج اجتاز في طريقه بالعقيق وكانت سنة مجدبة فاعترضته امرأة من بني كلاب وأنشدته :
إني مررت على العقيق وأهله |
|
يشكون من مطر الربيع نذورا |
ما ضرهم إذ جعفر جار لهم |
|
أن لا يكون ربيعهم ممطورا |
ثم ساق ابن خلكان الأسباب التي دعت الرشيد أن يتغير عليه وعلى آل برمك كافة ، وقد اختلف فيها المؤرخون ولعلها كلها أسباب قوى بعضها بعضا ، إلى أن طفح الكيل مع الرشيد فأوقع بهم ونكبهم وقتل جعفر هذا سنة ١٨٧ ، ثم قال ابن خلكان : ومن أعجب ما يؤرخ من تقلبات الدنيا بأهلها ما حكاه محمد بن غسان بن عبد الرحمن