ثم إن عبد الملك مرض واشتد مرضه وتوفي في هذه السنة ودفن في دار من دور الإمارة بالرقة.
ترجمة عبد الملك بن صالح العباسي :
قدمنا في حوادث ١٧٠ أن الرشيد عزل الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين وسميت العواصم وجعل مدينة العواصم منبج وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي.
قال ياقوت في معجم البلدان في الكلام على منبج : إن عبد الملك ولد بها وكان رجل قريش ولسان بني العباس ومن يضرب به المثل في البلاغة ، وكان لما دخل الرشيد إلى منبج قال له : هذا البلد منزلك ، قال : يا أمير المؤمنين هو لك ولي بك ، قال : كيف بناؤه ؟ فقال : دون بناء أهلي وفوق منازل غيرهم ، قال : كيف صفتها ؟ قال : طيبة الهواء قليلة الأدواء ، قال : كيف ليلها ؟ قال : سحر كله ، قال : صدقت إنها لطيبة ، قال : بل طابت بأمير المؤمنين ، وأين يذهب بها عن الطيب وهي برة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء في فياف فيح بين قيصوم وشيح ، فقال الرشيد : هذا الكلام والله أحسن من الدر النظيم. اه.
وقال الملا في مختصره لتاريخ الذهبي في ترجمته : ولي المدينة والصوائف للرشيد ، ثم ولي الشام والجزيرة للأمين ، وحدث عن أبيه ومالك بن أنس ، روى عنه ابنه علي والأصمعي وفليح بن إسماعيل حكايات وعن عبد الرحمن مؤدب أولاد عبد الملك ، قال : قال عبد الملك : لا تطرني في وجهي فأنا أعلم بنفسي منك ولا تعني على ما يقبح ودع كيف أصبح الأمير وكيف أمسى واجعل مكان التعرض لي صواب الاستماع مني. وعن إبراهيم النديم قال : كنت بين يدي الرشيد والناس يعزونه في طفل ويهنونه في مولود ولد تلك الليلة فقال عبد الملك : يا أمير المؤمنين آجرك الله فيما ساءك ولا ساءكم في سرك وجعل هذه بهذه جزاء للشاكر وثوابا للصابر. قال وأراد يحيى بن خالد أن يضع من عبد الملك إرضاء للرشيد فقال له : يا عبد الملك بلغني أنك حقود ، فقال : أيها الوزير إن كان الحقد هو بقاء الخير والشر إنهما لباقيان في قلبي ، فقال الرشيد : ما رأيت أحدا احتج للحقد بأحسن من هذا.