وقال ابن خلكان في ترجمة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي : حكى ابن الصابي في كتاب الأماثل والأعيان عن إسحق النديم الموصلي عن إبراهيم بن المهدي قال : خلا جعفر بن يحيى يوما في داره وحضر ندماؤه وكنت فيهم ، فلبس الحرير وتضمخ بالخلوق وفعل بنا مثله وأمر بأن يحجب عنه كل أحد إلا عبد الملك بن بحران قهرمانه ، فسمع الحاجب عبد الملك دون ابن بحران ، وعرف عبد الملك بن صالح الهاشمي مقام جعفر بن يحيى في داره فركب إليه فأرسل الحاجب أن قد حضر عبد الملك ، فقال : أدخله ، وعنده أنه ابن بحران ، فما راعنا إلا دخول عبد الملك بن صالح في سواده ورصافيته فاربد وجه جعفر ، وكان ابن صالح لا يشرب النبيذ وكان الرشيد دعاه إليه فامتنع ، فلما رأى عبد الملك حالة جعفر دعا غلامه فناوله سواده وقلنسوته ووافى باب المجلس الذي كنا فيه وسلم وقال : أشركونا في أمركم وافعلوا بنا فعلكم بأنفسكم ، فجاءه خادم فألبسه حريرة واستدعى بطعام فأكل وبنبيذ فأتي برطل منه فشربه ثم قال لجعفر : والله ما شربته قبل اليوم فليخفف عني ، فأمر أن يجعل بين يديه باطية يشرب منها ما يشاء وتضمخ بالخلوق ونادمنا أحسن منادمة ، وكان كلما فعل شيئا من هذا سري عن جعفر ، فلما أراد الانصراف قال له جعفر : اذكر حوايجك فإني ما أستطيع مقابلة ما كان منك ، قال : إن في قلب أمير المؤمنين موجدة علي فتخرجها من قلبه إلى جميل رأيه فيّ ، قال : قد رضي عنك أمير المؤمنين وزال ما عنده منك ، فقال : وعلي أربعة آلاف ألف درهم دينار ، قال : تقضى عنك وإنها لحاضرة ، ولكن كونها من أمير المؤمنين أشرف بك وأدل على حسن ما عنده لك ، قال : وإبراهيم ابني أحب إن أحبّ أن أرفع قدره بصهر من ولد الخلافة ، قال : قد زوجه أمير المؤمنين العالية ابنته ، قال : وأوثر التنبيه على موضعه برفع لواء على رأسه ، قال : قد ولاه أمير المؤمنين مصر ، وخرج عبد الملك ونحن متعجبون من قبول جعفر وإقدامه على مثله من غير استئذان فيه. وركبنا من الغد إلى باب الرشيد ودخل جعفر ووقفنا فما كان بأسرع من أن دعي بأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن وإبراهيم بن عبد الملك ، ولم يكن بأسرع من خروج إبراهيم والخلع عليه واللواء بين يديه وقد عقد له على العالية بنت الرشيد ، وحملت إليه ومعها المال إلى منزل عبد الملك بن صالح ، وخرج جعفر فتقدم إلينا باتباعه إلى منزله وصرنا معه فقال : أظن قلوبكم تعلقت بأول أمر عبد الملك فأحببتم علم آخره ، قلنا : هو كذلك ، قال : وقفت بين يدي أمير المؤمنين وعرفته ما كان من أمر عبد الملك من ابتدائه