أموالك وقويت بذلك على ارتباط جندك وإرضاء العامة بإقامة العطاء فيهم من نفسك وكنت محمود السياسة مرضي العدل في ذلك عند عدوك ، وكنت في أمورك كلها ذا عدل وقوة وآلة وعدة ، فنافس في هذا ولا تقدم عليه شيئا تحمد مغبة أمرك إن شاء الله ، واجعل في كل كورة من عملك أمينا يخبرك أخبار عمالك ويكتب إليك بسيرتهم وأعمالهم حتى كأنك مع كل عامل في عمله معاين لأمره كله ، وإن أردت أن تأمره بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك ، فإن رأيت السلامة فيه والعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والنصح والصنع فأمضه ، وإلا فتوقف عنه وراجع أهل البصيرة والعلم ، ثم خذ فيه عدته ، فإنه ربما نظر الرجل في أمر من أمره قد واتاه على ما يهوى فقوّاه ذلك وأعجبه ، وإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره ، فاستعمل الحزم في كل ما أردت وباشره بعد عون الله بالقوة. وأكثر استخارة ربك في جميع أمورك ، وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره لغدك ، وأكثر مباشرته بنفسك ، فإن لغد أمورا وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت. واعلم أن اليوم إذا مضى ذهب بما فيه ، وإذا أخرت عمله اجتمع عليك أمر يومين فشغلك ذلك حتى تعرض عنه ، فإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت نفسك وبدنك وأحكمت أمور سلطانك. وانظر أحرار الناس وذوي الشرف منهم ثم استيقن صفاء طويتهم وتهذيب مودتهم لك ومظاهرتهم بالنصح والمخالصة على أمرك فاستخلصهم وأحسن إليهم ، وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة فاحتمل مؤنتهم وأصلح حالهم حتى لا يجدوا لخلتهم مسا. وأفرد نفسك للنظر في أمور الفقراء والمساكين ومن لا يقدر على رفع مظلمة إليك. والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه فاسأل عنه أصفى مسألة ووكل بأمثاله أهل الصلاح من رعيتك ومرهم برفع حوائجهم وحالاتهم إليك لتنظر فيها بما يصلح الله أمرهم ، وتعاهد ذوي البأساء ويتاماهم وأراملهم واجعل لهم أرزاقا من بيت المال اقتداء بأمير المؤمنين أعزه الله في العطف عليهم والصلة لهم ليصلح الله بذلك عيشهم ويرزقك به بركته وزيادة ، وأجر للأضراء من بيت المال وقدم حملة القرآن منهم والحافظين لأكثره في الجراية على غيرهم. وانصب لمرضى المسلمين دورا تؤويهم وقواما يرفقونهم وأطباء يعالجون أسقامهم وأسعفهم بشهواتهم ما لم يؤد ذلك إلى صرف في بيت المال ، واعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم وأفضل أمانيهم لم يرضهم ذلك ولم تطب أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى ولاتهم طمعا في نيل الزيادة وفضل الرفق منهم ، وربما برم المتصفح لأمور الناس لكثرة ما يرد عليه