ويشغل فكره وذهنه منها ما يناله به مؤنة ومشقة ، وليس من يرغب في العدل ويعرف محاسن أموره في العاجل وفضل ثواب الآجل كالذي يستقبل ما يقربه إلى الله ويلتمس رحمته به. وأكثر الإذن للناس عليك وأبرز لهم وجهك وسكن لهم أحراسك واخفض لهم جناحك وأظهر لهم بشرك ولن لهم في المسألة والمنطق واعطف عليهم بجودك وفضلك ، وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس ، والتمس الصنيعة والأجر غير مكدر ولا منان ، فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله ، واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى من قبلك من أهل السلطان والرئاسة في القرون الحالية والأمم البائدة ، ثم اعتصم في أحوالك كلها بأمر الله والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسنته وإقامة دينه وكتابه ، واجتنب ما فارق ذلك وخالفه ودعا إلى سخط الله. واعرف ما تجمع عمالك من الأموال وينفقون منها ولا تجمع حراما ولا تنفق إسرافا. وأكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتهم ، وليكن هواك اتباع السنن وإقامتها وإيثار مكارم الأمور ومعاليها ، وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيبا فيك لم يمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في سرك وإعلانك ما فيه من النقص ، فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك. وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل منهم في كل يوم وقتا يدخل عليك فيه بكتبه ومؤامرته وما عنده من حوائج عمالك وأمر كورك ورعيتك ، ثم فرغ لما يورده عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك ، وكرر النظر إليه والتدبير له ، فما كان موافقا للحزم والحق فأمضه واستخر الله فيه ، وما كان مخالفا لذلك فاصرفه إلى التثبت فيه والمسألة عنه ، ولا تمنن على رعيتك ولا على غيرهم بمعروف تأتيه إليهم ، ولا تقبل من أحد منهم إلا الوفاء والاستقامة والعون في أمور أمير المؤمنين ، ولا تضعن المعروف إلا على ذلك.
وتفهم كتابي إليك وأكثر النظر فيه والعمل به واستعن بالله على جميع أمورك واستخره فإن الله مع الصلاح وأهله ، وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله رضى ولدينه نظاما ولأهله عزا وتمكينا وللذمة والملة عدلا وصلاحا ، وأنا أسأل الله أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك ، وأن ينزل عليك فضله ورحمته بتمام فضله عليك وكرامته لك حتى يجعلك أفضل أمثالك نصيبا وأوفرهم حظا وأسناهم ذكرا وأمرا ، وأن يهلك عدوك ومن ناوأك وبغى عليك ويرزقك من رعيتك العافية ويحتجر الشيطان عنك ووساوسه حتى يستعلي أمرك بالعز والقوة والتوفيق إنه قريب مجيب. اه.