لقطع الطريق عليهم وذلك في سنة ست وثلاثمائة وهو يومئذ يتقلد عمان وجبل الشراة من قبل تكين وظفر بهم ونجا الحجاج وقد فرغ من أمرهم بأسر من أسره وقتل من قتله وشرد الباقين ، وكان قد حج في هذه السنة من دار الخليفة المقتدر بالله امرأة تعرف بعجوز ، فحدثت المقتدر بالله بما شاهدت منه فأنفذ إليه خلعا وزاد في رزقه ، ولم يزل أبو بكر في صحبة تكين إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة ، ثم فارقه بسبب اقتضى ذلك ، وسار إلى الرملة فوردت كتب المقتدر إليه بولاية الرملة فأقام بها إلى سنة ثمان عشرة ، فوردت كتب المقتدر إليه بولاية دمشق فسار إليها ولم يزل بها إلى أن ولاه القاهر بالله ولاية مصر في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ودعا له بها مدة اثنين وثلاثين يوما ولم يدخلها. ثم أعيد إليها من جهة الخليفة الراضي بالله بن المقتدر وضم إليه البلاد الشامية والجزرية والحرمين وغير ذلك ، ودخل مصر يوم الأربعا لسبع بقين من شهر رمضان المعظم سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
ثم إن الراضي لقبه بالأخشيد في شهر رمضان المعظم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ، وإنما لقبه بذلك لأنه لقب ملوك فرغانة وهو من أولادهم كما سبق ذكره وتفسيره بالعربي ملك الملوك ، وكل من ملك تلك الناحية لقبوه بهذا اللقب ودعي للأخشيد على المنابر بهذا اللقب واشتهر به وصار كالعلم عليه ، وكان ملكا حازما كثير التيقظ في حروبه ومصالح دولته حسن التدبير مكرما للجند شديد القوى لا يكاد يجر قوسه غيره ، وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في تاريخه الصغير الذي سماه عيون السير أن جيشه كان يحتوي على أربعة آلاف رجل وأنه كان جبانا (١) وكان له ثمانية آلاف مملوك يحرسه في كل ليلة ألفان منهم ويوكل بجانب خيمته الخدم إذا سافر ثم لا يثق حتى يمضي إلى خيم الفراشين فينام بها ، ولم يزل على مملكة وسعادة إلى أن توفي يوم الجمعة لثمان بقين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين بدمشق ، وحمل تابوته إلى بيت المقدس فدفن به. وقال أبو الحسن الرازي : توفي في سنة خمس وثلاثين والله أعلم. وكانت ولادته منتصف شهر رجب سنة ثمان وستين ومائتين ببغداد.
قال أبو الفدا في حوادث سنة ٣٣٤ : في هذه السنة مات الأخشيد بدمشق وكان قد سار من مصر إليها ، وهو محمد بن طغج صاحب مصر ودمشق وكان قبل مسيره عن مصر قد وجد بداره رقعة مكتوب عليها : قدرتم فأسأتم وملكتم فبخلتم ووسع عليكم فضقتم