وأدرّت لكم الأرزاق فقنطتم أرزاق العباد واغتررتم بصفو أيامكم ولم تتفكروا في عواقبكم واشتغلتم بالشهوات واغتنام اللذات وتهاونتم بسهام الأسحار وهن صائبات ولا سيما إن خرجت من قلوب قرحتموها وأكباد أجعتموها وأجساد أعريتموها ، ولو تأملتم في هذا حق التأمل لانتبهتم ، أو ما علمتم أن الدنيا لو بقيت للعاقل ما وصل إليها الجاهل ولو دامت لمن مضى ما نالها من بقي ، فكفى بصحبة ملك يكون في زوال ملكه قرح للعالم ومن المحال أن يموت المنتظرون كلهم حتى لا يبقى منهم أحد ويبقى المنتظر ، افعلوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون وثقوا بقدرتكم وسلطانكم فإنّا بالله واثقون وهو حسبنا ونعم الوكيل. فبقي الأخشيد بعد سماع هذه الرقعة في فكر وسافر إلى دمشق ومات وولي الأمر بعده ابنه أبو القاسم أنوجور وتفسيره محمود.
__________________
(١) مما يجدر ذكره هنا ما ذكره العكبري في شرحه على المتنبي لقوله : ( كل يريد رجاله لحياته. يا من يريد حياته لرجاله ). قال يريد أن الملوك سواك يطلبون عسكرهم وجنودهم ليدفعوا عنهم ويجمعونهم على أعدائهم ليسلموا وأنت تريد رجالك أن يبقوا ويسلموا وتدافع عنهم. وهذا غاية الكرم والشجاعة. وقد بنى البيت على حكاية تذكر عن سيف الدولة مع الأخشيد وذلك أنه جمع جيشا عظيما وأتى إليه ليتغلب فوجه إليه سيف الدولة يقول له : قد جمعت هذا الجيش وجئت إلى بلادي أبرز إليّ ولا تقتل الناس بيني وبينك فأينا غلب أخذ البلاد وملك أهلها ، فوجه إلى سيف الدولة يقول : ما رأيت أعجب منك إنما جمعت هذا الجيش العظيم لأقي به نفسي أ فتريد أن أبارزك إن هذا لجهل اه.