عطيرا وفيه شر وجهل ، واستخلف عليها نائبا له اسمه أحمد بن محمد ، فأحسن السيرة وعدل في الرعية فمالوا إليه ، وكان عطير يقيم بحلته ويدخل البلد في الأوقات المتفرقة ، فرأى أن نائبه يحكم في البلد ويأمر وينهى فحسده فقال له يوما : قد أكلت مالي واستوليت على بلدي وصرت الأمير وأنا النائب ، فاعتذر إليه فلم يقبل عذره وقتله ، فأنكرت الرعية قتله وغضبوا على عطير وكاتبوا نصر الدولة بن مروان ليسلموا إليه البلد ، فسير إليهم نائبا كان له بآمد يسمى زنك ، فتسلمها وأقام بها ومعه جماعة من الأجناد ، ومضى عطير إلى صالح بن مرداس وسأله الشفاعة له إلى نصر الدولة ، فشفع فيه فأعطاه نصف البلد ، ودخل عطير إلى نصر الدولة بميافارقين فأشار أصحاب نصر الدولة بقبضه فلم يفعل وقال : لا أغدر به وإن كان أفسد وأرجو أن أكف شره بالوفاء ، وتسلم عطير نصف البلد ظاهرا وباطنا وأقام فيه مع نائب نصر الدولة. ثم إن نائب نصر الدولة عمل طعاما ودعاه فأكل وشرب ، واستدعى ولدا كان لأحمد الذي قتله عطير وقال : تريد أن تأخذ بثأر أبيك ؟ قال : نعم ، قال : هذا عطير عندي في نفر يسير ، فإذا خرج فتعلق به في السوق وقل له : يا ظالم قتلت أبي ، فإنه سيجرد سيفه عليك ، فإذا فعل فاستنفر الناس عليه واقتله وأنا من ورائك ، ففعل ما أمره وقتل عطيرا ومعه ثلاثة نفر من العرب ، فاجتمع بنو نمير وقالوا : هذا فعل زنك ولا ينبغي لنا أن نسكت عن ثأرنا ، ولئن لم نقتله ليخرجنا من بلادنا ، فاجتمعت نمير وكمنوا له بظاهر البلد كمينا ، وقصد فريق منهم البلد فأغاروا على ما يقاربه ، فسمع زنك الخبر فخرج فيمن عنده من العساكر وطلب القوم ، فلما جاوز الكمناء خرجوا عليه فقاتلهم فأصابه حجر مقلاع فسقط وقتل ، وكان قتله سنة ثمان عشرة وأربعمائة في أولها وخلصت المدينة لنصر الدولة.
ثم إن صالح بن مرداس شفع في ابن عطير وابن شبل النميريين ليرد الرها إليهما ، فشفعه وسلمها إليهما ، وكان فيها برجان أحدهما أكبر من الآخر ، فأخذ ابن عطير البرج الكبير وأخذ ابن شبل البرج الصغير وأقاما في البلد.
وقال في حوادث هذه السنة سنة ٤٢٢ : إن ابن عطير أرسل أرمانوس ملك الروم وباعه حصته من الرها بعشرين ألف دينار وعدة قرى من جملتها قرية تعرف إلى الآن بسن ابن عطير ، وتسلموا البرج الذي له ودخلوا البلد فملكوه وهرب منه أصحاب ابن شبل ،