وقتل الروم المسلمين وخربوا المساجد ، وسمع نصر الدولة الخبر فسير جيشا إلى الرها فحصروها وفتحوها عنوة ، واعتصم من بها من الروم بالبرجين واحتمى النصارى بالبيعة التي لهم ، وهي من أكبر البيع وأحسنها عمارة ، فحصرهم المسلمون بها وأخرجوهم وقتلوا أكثرهم ونهبوا البلد وبقي الروم في البرجين ، وسير إليهم عسكرا نحو عشرة آلاف مقاتل فانهزم أصحاب ابن مروان من بين أيديهم ودخلوا البلد وما جاورهم من بلاد المسلمين ، وصالحهم ابن وثاب النميري على حران وسروج وحمل إليهم خراجا.
وقال في حوادث سنة سبع وعشرين وأربعمائة : في رجب من هذه السنة اجتمع ابن وثاب وابن عطير وتصاهرا وجمعا وأمدهما نصر الدولة بن مروان بعسكر كثيف ، فساروا جميعهم إلى السويداء ، وكان الروم قد أحدثوا عمارتها في ذلك الوقت ، واجتمع إليها أهل القرى المجاورة لها فحصرها المسلمون وفتحوها عنوة وقتلوا فيها ثلاثة آلاف وخمسمائة رجل وغنموا ما فيها وسبوا خلقا كثيرا ، وقصدوا الرها فحصروها وقطعوا الميرة عنها حتى بلغ المكوك الحنطة دينارا ، واشتد الأمر فخرج البطريق الذي فيها متخفيا ولحق بملك الروم وعرفه الحال ، فسير معه خمسة آلاف فارس فعاد بهم ، فعرف ابن وثاب ومقدم عساكر نصر الدولة الحال فكمنا لهم ، فلما قاربوهم خرج الكمين عليهم فقتل من الروم خلق كثير وأسر مثلهم وأسر البطريق وحمل إلى باب الرها وقالوا لمن فيها : إما أن تفتحوا البلد لنا وإما قتلنا البطريق والأسرى الذين معه ، ففتحوا البلد للعجز عن حفظه وتحصن أجناد الروم بالقلعة ، ودخل المسلمون المدينة وغنموا ما فيها وامتلأت أيديهم من الغنائم والسبي وأكثروا القتل ، وأرسل ابن وثاب إلى آمد مائة وستين راحلة عليها رؤوس القتلى ، وأقام محاصرا للقلعة. ثم إن حسان بن الجراح الطائي سار في خمسة آلاف فارس من العرب والروم نجدة لمن بالرها ، فسمع ابن وثاب بقربه فسار إليه مجدا ليلقاه قبل وصوله ، فخرج من في الرها من الروم إلى حران فقاتلهم أهلها ، وسمع ابن وثاب الخبر فعاد مسرعا فوقع على الروم فقتل منهم كثيرا وعاد المنهزمون إلى الرها.
وقال في حوادث سنة تسع وعشرين وأربعمائة : فيها صالح ابن وثاب النميري صاحب حران الروم الذين بالرها لعجزه عنهم وسلم إليهم ربض الرها ، وكان تسلمه على ما ذكرناه أولا ، فنزلوا من الحصن الذي للبلد إليه ، وكثر الروم بها وخاف المسلمون على حران ، وعمر الروم الرها العمارة الحسنة وحصنوها.