العقيلي (١) الملقب بشرف الدولة أمير العرب بنواحي بغداد ، استفحل أمره وقويت شوكته وأطاعته العرب وطمع في الاستيلاء على بغداد بعد وفاة ظفر ، ثم رجع عن ذلك ، وكان أحول ، وكان قد ملك من السندية التي على نهر عيسى إلى منبج من الشام وما والاها من البلاد ، وكان في يده ديار ربيعة ومضر من أرض الجزيرة والموصل وحلب وما كان لأبيه وعمه قرواش ، وكان عادلا حسن السيرة والأمن في بلاده عام والرخص شامل ، وكان يسوس بلاده سياسة عظيمة ، يسير الراكب والراكبان فلا يخافان شيئا ، وكان له في كل بلد وقرية عامل وقاض وصاحب خبر بحيث لا يتعدى أحد على أحد ، وهو الذي عمر سور الموصل ، شرع فيه في ثالث شوال سنة أربع وسبعين وأربعمائة وفرغ منه في ستة أشهر.
وذكر حمدان بن عبد الرحيم التميمي قال : لما حصر شرف الدولة حلب غلت الأسعار فيها وصار الخبز ستة أرطال بدينار ، ورمى القلعة بالمنجنيق ، ثم عول على الرحيل عنها لغيرها حتى قرب الأمير أبو الحسن بن منقذ من سور القلعة فرأى صديقا له من أهل الأدب على سور القلعة فقال له بن منقذ : كيف أنتم ؟ فقال : طول جب خوفا من تفسير الكلمة ، فعاد ابن منقذ وهو يتصحف هذا الكلام فصح له أنه قصد بكلامه أنه ضعفوا فأوجس أنها كلمتان وأن قوله طول يريد مدا وجب بير فقال مدابير والله. فأعلم لشرف الدولة بهذه النكتة فقوى نفسه حتى ملكها. وذكر عبد الله بن محمد أنه قال : لما حاصر شرف الدولة قلعة حلب فحار * ماء الساتورة التي بالقلعة حتى قل عليهم فقال ابن أبي حصينة :
و قد أطاعك فيها كل عاصية |
|
طوعا لأمرك حتى غارت القلب |
ولما ملك شرف الدولة مسلم قلعة حلب لم يكن بها ما يؤكل ، فنقل إليها من الموصل وأرض الجزيرة الغلة والدجاج والبيض حتى استكفى الناس ، وعمر هرما في القلعة وملأه أقفاص سكر ، فلما بقي منه قليل قال : بالله تمموه فو الله لاملأه غيري تبنا.
__________________
(١) قال ابن خلدون في الكلام على انقراض دولة بني حمدان واستيلاء بني كلاب على حلب : كان بنو عقيل وبنو كلاب وبنو نمير وبنو خفاجة وكلهم من عامر بن صعصعة وبنو طي من كهلان منتشرين ما بين الجزيرة والشام في عدوة الفرات ، وكانوا كالرعايا لبني حمدان يؤدون إليهم الأتاوات وينفرون معهم في الحروب ، ثم استفحل أمرهم عند فشل دولة بني حمدان وساروا إلى ملك البلاد.
( * ) لعلها فغار.