وقيل إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة الدولة السلجوقية وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام إلى غزة ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم من دخول الأفسيس إلى مصر وحصرها فخافوا وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه ويكون بينهم وبين المسلمين.
فلما عزم الفرنج على قصد الشام ساروا إلى القسطنطينية ليعبروا المجاز إلى بلاد المسلمين ويسيروا في البر فيكون أسهل عليهم ، فلما وصلوا إليها منعهم ملك الروم من الاجتياز ببلاده وقال : لا أمكنكم من العبور إلى بلاد الإسلام حتى تحلفوا لي أنكم تسلمون إليّ أنطاكية ، وكان قصده يحثهم على الخروج إلى بلاد الإسلام ظنا منهم أن الأتراك لا يبقون منهم أحدا لما رأى من صرامتهم وملكهم البلاد ، فأجابوه إلى ذلك وعبروا الخليج عند القسطنطينية سنة تسعين ووصلوا إلى بلاد قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش وهي قونية وغيرها ، فلما وصلوا إليها لقيهم قلج أرسلان في جموعه ومنعهم فقاتلوه فهزموه في رجب سنة تسعين واجتازوا في بلاده إلى بلاد ابن الأرمني فسلكوها وخرجوا إلى أنطاكية فحصروها ، ولما سمع صاحبها باغيسيان بتوجههم إليها خاف من النصارى الذين بها فأخرج المسلمين من أهلها ليس معهم غيرهم وأمرهم بحفر الخندق ، ثم أخرج من الغد النصارى لعمل الخندق أيضا ليس معهم مسلم ، فعملوا فيه إلى العصر ، فلما أرادوا الدخول منعهم وقال لهم : أنطاكية لكم تهبوها لي حتى أنظر ما يكون منا ومن الفرنج ، فقالوا له : من يحفظ أبناءنا ونساءنا ؟ فقال : أنا أخلفكم فيها ، فأمسكوا وأقاموا في عسكر الفرنج فحصروها تسعة أشهر ، وظهر من شجاعة باغيسيان وجودة رأيه وحزمه واحتياطه ما لم يشاهد من غيره فهلك أكثر الفرنج موتا ولو بقوا على كثرتهم التي خرجوا فيها لطبقوا بلاد الإسلام ، وحفظ باغيسيان أهل نصارى أنطاكية الذين أخرجهم وكف الأيدي المتطرقة إليهم ، فلما طال مقام الفرنج على أنطاكية راسلوا أحد المستحفظين للأبراج وهو زراد يعرف بروزبه وبذلوا له مالا وإقطاعا وكان يتولى حفظ برج يلي الوادي وهو مبني على شباك في الوادي ، فلما تقرر بينهم وبين هذا الملعون الزراد جاؤوا إلى الشباك ففتحوه ودخلوا منه وصعد جماعة كثيرة بالحبال ، فلما زادت عدتهم على خمسمائة ضربوا البوق وذلك عند السحر وقد تعب الناس من كثرة السهر والحراسة ، فاستيقظ باغيسيان فسأل عن الحال فقيل إن هذا البوق من القلعة ولا شك أنها قد ملكت ، ولم يكن من القلعة ، وإنما كان من