ذلك البرج ، فدخله الرعب وفتح باب البلد وخرج هاربا في ثلاثين غلاما على وجهه ، فجاء نائبه في حفظ البلد فسأل عنه فقيل إنه هرب ، فخرج من باب آخر هاربا ، وكان ذلك معونة للفرنج ولو ثبت ساعة لهلكوا ، ثم إن الفرنج دخلوا البلد من الباب ونهبوه وقتلوا من فيه من المسلمين وذلك في جمادى الأولى ، وأما باغيسيان فإنه لما طلع عليه النهار رجع إليه عقله وكان كالولهان فرأى نفسه وقد قطع عدة فراسخ ، فقال لمن معه : أين أنا ؟ فقيل : على أربعة فراسخ من أنطاكية ، فندم كيف خلص سالما ولم يقاتل حتى يزيلهم عن البلد أو يقتل ، وجعل يتلهف ويسترجع على ترك أهله وأولاده والمسلمين ، فلشدة ما لحقه سقط عن فرسه مغشيا عليه ، فلما سقط إلى الأرض أراد أصحابه أن يركبوه فلم يكن فيه مسكة قد قارب الموت ، فتركوه وساروا عنه واجتاز به إنسان أرمني كان يقطع الحطب وهو بآخر رمق فقتله وأخذ رأسه وحمله إلى الإفرنج بأنطاكية ، وكان الفرنج قد كاتبوا صاحب حلب ودمشق بأننا لا نقصد غير البلاد التي كانت بيد الروم لا نطلب سواها مكرا منهم وخديعة حتى لا يساعدوا صاحب أنطاكية.
زيادة بيان لهذه الحوادث :
قال ابن العديم في بغية الطلب : وفي المحرم من سنة إحدى وتسعين وأربعمائة خرج نحو ثلاثين ألفا من الفرنج إلى أعمال المسلمين ببلد حلب فأفسدوا ونهبوا وقتلوا من وجدوا ، وكان قد وصل الملك دقاق وأتابك ومعهما جناح الدولة ونزلوا أرض شيزر ومعهم ابن باغيسيان وهم سائرون لإنجاد أبيه ، وبلغهم هذه السرية فساروا إليها بقطعة من العساكر فلقيهم في أرض البارة فقتلوا منهم جماعة وعاد الفرنج إلى الروج وعرّجوا منه إلى معرة مصرين فقتلوا من وجدوا وكسروا منبرها ، وحين عاد العسكر الدمشقي من البارة فارقهم ابن باغيسيان ووصل إلى حلب يستنجد بالملك رضوان ، فأخذ عسكر حلب وسكمان ودخل بهما إلى أنطاكية فلقيهم من الفرنج دون عدتهم فانهزم عسكر المسلمين إلى حارم وذلك في آخر صفر ، وتبعهم عسكر الفرنج إلى حارم فانهزموا إلى حلب وغلب أهل حارم من الأرمن عليها.
وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة وصل خلق من الأرمن إلى تل قباسين بناحية الوادي فقتلوا من فيه وخرج المسلمون الذين بالوادي وجماعة من الأتراك تبعوهم قتلوا منهم جماعة والتجأ الباقون إلى بعض الحصون الخربة ، فأدركهم عسكر حلب فقاتلهم يومين