ووصل في هذه السنة أتابك طغتكين وأقسنقر البرسقي إلى حلب وراسلوا أهلها في تسليمها ، فامتنعوا من إجابته وقالوا : ما نريد أحدا من الشرق ، وأنفذوا واستدعوا الفرنج من أنطاكية لدفعه عنهم ، فعاد آقسنقر من الرحبة وأتابك إلى دمشق ، واشتد الغلاء بأنطاكية وحلب لأن الزرع غرق ولحقه هواء عند إدراكه أتلفه ، وهرب الفلاحون للخوف ، واستدعى أهل حلب ابن قراجا من حمص فرتب الأمور بها وحصنها وسار إلى حلب ونزل في القصر خوفا من إيلغازي لما كان بينهما ، وخرج أتابك إلى حمص ونهب أعمالها وشعثها وأقام عليها مدة وعاد إلى دمشق لحركة الفرنج ، وخرجت قافلة من دمشق إلى حلب فيها تجار غيرها وحملوا ذخائرهم وأموالهم لما قد أشرف عليه أهل حلب ، فلما وصلوا إلى القبة نزل الفرنج إليهم وأخذوا منهم المكس ثم عادوا وقبضوهم وما معهم بأسرهم ورفعوهم إلى القبة وحملوا الرجال والنساء بعد ذلك إلى أفامية ومعرة النعمان وحبسوهم ليقرروا عليهم مالا ، فراسلهم أبو المعالي بن الملحي ورغبهم في البقاء على الهدنة وأن لا ينقضوا العهد وحمل إلى صاحب أنطاكية مالا وهدية فرد عليهم الأحمال والأثقال وغير ذلك ولم يعدم منه شيء ، وقوي طمع الفرنج في حلب لعدم النجدة وضعفها وغدروا ونقضوا الهدنة وأغاروا على بلد حلب وأخذوا مالا لا يحصيه إلا الله ، فراسل أهل حلب أتابك طغتكين فوعدهم بالإنجاد فكسره جوسلين وعساكر الفرنج ، وراسلوا صاحب الموصل وكان أمره مضطربا بعد عوده من بغداد ، ونزل الفرنج بعد عودهم من كسرة أتابك على عزاز وضايقوها وأشرفت على الأخذ ، وانقطعت قلوب أهل حلب ولم يكن بقي لحلب معونة إلا من عزاز وبلدها وبقية بلد حلب في أيدي الفرنج والشرقي خراب مجدب والقوت في حلب قليل جدا ومكوك الحنطة بدينار وكان إذ ذاك لا يبلغ نصف مكوك بمكوك حلب الآن وما سوى ذلك مناسب له ، ويئس أهل حلب من نجدة تصلهم من أحد الملوك ، فاتفق رأيهم على أن يسيروا الأعيان والمقدمين إلى إيلغازي بن أرتق ويستدعوه ليدفع الفرنج عنهم وظنوا أنه يصل في عسكر يفرج به عنهم وضمنوا له مالا يقسطونه على حلب يصرفه إلى العساكر ، فوصل في جند يسير والمدبر لحلب جماعة من الخدم والقاضي أبو الفضل بن الخشاب هو المرجوع إليه في حفظ المدينة والنظر في مصالحها ، فامتنع عليه البلد واختلف الآراء في دخوله ، فعاد فلحقه القاضي أبو الفضل بن الخشاب وجماعة من المقدمين وتلطفوا به ، ولم يزالوا به حتى رجع ووصل إلى حلب ودخلها وتسلم القلعة وأخرج منها سائر الجند وأصحاب