واحدا ، وخافهم أهلها خوفا شديدا ولو مكنوا من القتال لم يبق بها أحد ، لكنهم منعوا من ذلك وصانع الفرنج أهل حلب على أن يقاسموهم على أملاكهم التي بباب حلب ، فأرسل أهل البلد إلى بغداد يستغيثون ويطلبون النجدة فلم يغاثوا ، وكان الأمير إيلغازي صاحب بلد ماردين يجمع العساكر والمتطوعة للغزاة فاجتمع عليه نحو عشرين ألفا ، وكان معه أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي والأمير طغان أرسلان بن المكر صاحب بدليس وأرزن وسار بهم إلى الشام عازما على قتال الفرنج ، فلما علم الفرنج قوة عزمهم على لقائهم وكانوا ثلاثة آلاف فارس وتسعة آلاف راجل ساروا فنزلوا قريبا من الأثارب بموضع يقال له تل عفرين بين جبال ليس لها طريق إلا من ثلاث جهات ، وفي هذه الموضع قتل شرف الدولة مسلم بن قريش ، وظن الفرنج أن أحدا لا يسلك إليهم لضيق الطريق فأخلدوا إلى المطاولة ، وكانت عادة لهم إذا رأوا قوة من المسلمين. وراسلوا إيلغازي يقولون له لا تتعب نفسك بالمسير إلينا فنحن واصلون إليك ، فأعلم أصحابه بما قالوه واستشارهم فيم يفعل فأشاروا بالركوب من وقته وقصدهم ، ففعل ذلك وسار إليهم ودخل الناس من الطرق الثلاثة ولم تعتقد الفرنج أن أحدا يقدم عليهم لصعوبة المسلك ، فلم يشعروا إلا وأوائل المسلمين قد غشيهم ، فحمل الفرنج حملة منكرة فولوا منهزمين فلقوا باقي العسكر متتابعة ، فعادوا معهم وجرى بينهم حرب شديدة وأحاطوا بالفرنج من جميع جهاتهم ، وأخذهم السيف من سائر نواحيهم فلم يفلت منهم غير نفر يسير ، وقتل الجميع وأسروا ، وكان في جملة الأسرى نيف وسبعون فارسا من مقدميهم ، وحملوا إلى حلب فبذلوا في نفوسهم ثلاثمائة ألف دينار فلم يقبل منهم ، وغنم المسلمون منهم الغنائم الكثيرة وأما ( سيرجال ) صاحب أنطاكية فإنه قتل وحمل رأسه. وكانت الوقعة منتصف شهر ربيع الأول ، فمما مدح به إيلغازي في هذه الوقعة قول العظيمي :
قل ما تشاء فقولك المقبول |
|
و عليك بعد الخالق التعويل |
و استبشر القرآن حين نصرته |
|
و بكى لفقد رجاله الإنجيل |
ثم تجمع من سلم من المعركة مع غيرهم فلقيهم إيلغازي أيضا فهزمهم وفتح منهم