بعض العساكر فازدراه وقال : إنما جئنا من بلادنا تبعا لهذا المعمم ، فأقبل على الناس وخطبهم خطبة بليغة استنهض فيها عزائمهم واسترهق هممهم بين الصفين فأبكى الناس وعظم في أعينهم ، ودار طغان أرسلان بن دملاج من ورائهم ونزل في خيامهم وقتل من فيها ونهبها ، وألقى الله النصر على المسلمين ، وصار من انهزم من الفرنج وقصد الخيام قتل ، وحمل الترك بأسرهم حملة واحدة من جميع الجهات صدقوهم فيها وكانت السهام كالجراد ، ولكثرة ما وقع في الخيل والسواد من السهام عادت منهزمة وغلبت فرسانها وطحنت الرجالة والأتباع والغلمان بالسهام وأخذوهم بأسرهم أسرى ، وقتل سرجال في الحرب وفقد من المسلمين عشرون نفرا منهم سليمان بن مبارك بن شبل ، وسلم من الفرنج مقدار عشرين نفرا لا غير وانهزم جماعة من أعيانهم ، وقتل في المعركة ما يقارب خمسة عشر ألفا من الفرنج ، وكانت الوقعة يوم السبت وقت الظهر ، فوصل البشير إلى حلب بالنصر والمصاف قائم والناس يصلون صلاة الظهر بجامع حلب سمعوا صيحة عظيمة بذلك من نحو الغرب ولم يصل أحد من العسكر إلا نحو صلاة العصر.
وأحرق أهل القرى القتلى من الفرنج فوجد في رماد فارس واحد وأربعون نصل نشاب ، ونزل إيلغازي في خيمة سرجال وحمل إليه المسلمون ما غنموه فلم يأخذ منهم إلا سلاحا يهديها لملوك الإسلام ، ورد عليهم ما حملوه بأسره ، ولما حضر الأسرى بين يدي إيلغازي كان فيهم رجل عظيم الخلقة مشتهرا بالقوة وأسره رجل ضعيف قليل السلاح ، فلما حضر بين يدي إيلغازي قال له التركمان : أما تستحي يأسرك مثل هذا الضعيف وعليك مثل هذا الحديد ، فقال : والله ما أخذني هذا ولا هو مولاي إنما أخذني رجل عظيم أعظم مني وأقوى وسلمني إلى هذا ، وكان عليه ثوب أخضر وتحته فرس أخضر ، وتفرقت عساكر المسلمين في بلاد أنطاكية والسويدية وغيرهما يقتلون ويأسرون وينهبون ، وكانت البلاد مطمئنة لم يبلغهم خبر هذه الوقعة ، فأخذ المسلمون من السبي والغنائم والدواب ما يفوت الإحصاء ولم يبق أحد من الترك إلا امتلأ صدره ويداه بالغنائم والسبي ، ولقي بعض السرايا بغدوين الروسر وابن صنجيل في خيلهما بالقرب من جبلة وقد توجها لنصر سرجال صاحب أنطاكية فأوقع بهم الترك وقتلوا جماعة وغنموا ما قدروا عليه وانهزم بغدوين وابن صنجيل وتعلقوا بالحبال ، ورحل إيلغازي إلى أرتاح وبادر بغدوين فدخل أنطاكية وسلمت إليه أخته