قال في الروضتين (١) : في هذه السنة ( وهي سنة أربع وثلاثين ) سار أتابك الشهيد إلى بلاد الفرنج فأغار عليها ، واجتمع ملوك الفرنج وساروا إليه فلقيهم بالقرب من حصن بارين وهو للفرنج ، فصبر الفريقان صبرا لم يسمع بمثله إلا ما يحكى عن ليلة الهرير ، ونصر الله المسلمين وهرب ملوك الفرنج وفرسانهم فدخلوا حصن بارين فحصره حصرا شديدا ، فراسلوه في طلب الأمان ليسلموا ويسلموا الحصن فأبى إلا أخذهم قهرا ، فبلغه أن من بالساحل من الفرنج قد ساروا إلى الروم والفرنج يستنجدونهم وينهون إليهم ما فيه ملوكهم من الحصر فجمعوا وحشدوا وأقبلوا إلى الساحل ومن بالحصن لا يعلمون بشيء من ذلك لقوة الحصن عليهم ، فأعادوا مراسلته في طلب الأمان فأجابهم وتسلم الحصن وساروا ، فلقيتهم أمداد النصرانية فسألوهم عن حالهم فأخبروهم بتسليم الحصن فلاموهم وقالوا : عجزتم عن حفظه يوما أو يومين ، فحلفوا لهم إنا لم نعلم بوصولكم ولم يبلغنا عنكم خبر منذ حصرونا إلى الآن ، فلما عميت الأخبار عنا ظننا أنكم أهملتم أمرنا فحقنا دماءنا بتسليم الحصن.
قال ابن الأثير : وكان حصن بارين من أضر بلاد الفرنج على المسلمين ، فإن أهله كانوا قد خربوا ما بين حماة وحلب من البلاد ونهبوها وتقطعت السبل فأزال الله تعالى بالشهيد رحمهالله هذا الضرر العظيم. وفي مدة مقامه على حصن بارين سير جنده إلى المعرة وكفرطاب وتلك الولاية جميعها فاستولى عليها وملكها وهي بلاد كبيرة وقرى عظيمة.
قلت : وقد قال القيسراني يذكر هزيمة الفرنج ويمدح زنكي قصيدة أولها :
حذار منا وأنى ينفع الحذر |
|
و هي الصوارم لا تبقي ولا تذر |
و أين ينجو ملوك الشرك من ملك |
|
من خيله النصر لا بل جنده القدر |
سلوا سيوفا كإغماد السيوف بها |
|
صالوا فما غمدوا نصلا ولا شهروا |
حتى إذا ما عماد الدين أرهقهم |
|
في مأزق من سناه يبرق البصر |
و لو تضيق بهم ذرعا مسالكهم |
|
و الموت لا ملجأ منه ولا وزر |
و في المسافة من دون النجاة لهم |
|
طول وإن كان في أقطارها قصر |
__________________
(١) صاحب الروضتين ذكر ذلك في حوادث سنة ٥٣٤ وابن الأثير وابن العديم ذكراها في حوادث سنة ٥٣١ ، ويظهر أنه الأصح والله أعلم. وتاريخ الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية هو للإمام شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي المعروف بأبي شامة المتوفى سنة ٦٦٥ وسماه صاحب الكشف أزهار الروضتين وهو مطبوع.