جماعة من أعيان حلب إلى أتابك زنكي وهو يحاصر حمص فاستغاثوا به واستنصروه ، فسير معهم كثيرا من العساكر فدخلوا إلى حلب ليمنعوها من الروم إن حصروها. ثم إن ملك الروم قاتل بزاعة ونصب عليها منجنيقات وضيق على من بها فملكها بالأمان في الخامس والعشرين من رجب ثم غدر بأهلها فقتل منهم وأسر وسبى ، وكان عدة من جرح فيها من أهلها خمسة آلاف وثمانمائة نفس ، وأقام الروم بعد ملكها عشرة أيام يتطلبون من اختفى ، فقيل لهم إن جمعا كثيرا من أهل هذه الناحية قد نزلوا المغارات فدخنوا عليهم وهلكوا في المغاير ثم رحلوا إلى حلب من الغد في خيلهم ورجلهم ، فخرج إليهم أحداث حلب فقاتلوهم قتالا شديدا ، فقتل من الروم وجرح خلق كثير وقتل بطريق جليل القدر عندهم وعادوا خاسرون ، وأقاموا ثلاثة أيام فلم يروا فيها طمعا فرحلوا إلى قلعة الأثارب ، فخاف من فيها من المسلمين فهربوا عنها تاسع شعبان ، فملكها الروم وتركوا فيها سبايا بزاعة والأسرى ومعهم جمع من الروم يحفظونهم ويحمون القلعة وساروا.
فلما سمع الأمير أسوار بحلب ذلك رحل فيمن عنده من العسكر إلى الأثارب فأوقع بمن فيها من الروم فقتلهم وخلص الأسرى والسبي وعاد إلى حلب.
وأما عماد الدين زنكي فإنه فارق حمص وسار إلى سلمية فنازلها ، وعبر ثقله الفرات إلى الرقة وأقام جريدة ليتبع الروم ويقطع عنهم الميرة.
وأما الروم فإنهم قصدوا قلعة شيزر فإنها من أمنع الحصون ، وإنما حصروها لأنها لم تكن لزنكي فلا يكون له في حفظها اهتمام ، وإنما كانت للأمير أبي العساكر سلطان بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني ، فنازلوها وحصروها ونصب عليها ثمانية عشر منجنيقا ، فأرسل صاحبها إلى زنكي يستنجده ، فسار إليه فنزل على نهر العاصي بالقرب منها بينها وبين حماة ، وكان يركب كل يوم ويسير إلى شيزر هو وعساكره ويقفون بحيث يراهم الروم ويرسل السرايا فتأخذ من ظفرت به منهم ، ثم إنه أرسل إلى ملك الروم يقول له : إنكم قد تحصنتم مني بهذه الجبال فانزلوا منها إلى الصحراء حتى نلتقي فإن ظفرت بكم أرحت المسلمين منكم وإن ظفرتم استرحتم وأخذتم شيزر وغيرها ، ولم يكن له فيهم قوة وإنما كان يرهبهم بهذا القول وأشباهه ، فأشار فرنج الشام على ملك الروم بمصافاته وهونوا أمره