فسأل عن حاله فأخبره به ، وكان الشهيد واقفا والدبيسي إلى جانبه ليس فوقه أحد ، فلما سمع أتابك الخبر نظر إلى الدبيسي نظر مغضب ولم يكلمه كلمة واحدة ، فتأخر القهقرى ودخل البلد وأخرج خيامه وأمر بنصبها خارج البلد ، ولم تكن الأرض تحتمل وضع الخيام عليها لكثرة الوحل والطين ، قال : فلقد رأيت الفراشين وهم ينقلون الطين لينصبوا خيمته ، فلما رأوا كثرته جعلوا على الأرض تبنا ليقيموها ونصبوا الخيام وخرج إليها من سناعته.
قال : وكان ينهى أصحابه عن اقتناء الأملاك ويقول : مهما كانت البلاد لنا فأي حاجة لكم إلى الأملاك ، فإن الإقطاعات تغني عنها ، وإن خرجت البلاد عن أيدينا فإن الأملاك تذهب معها ، ومتى صارت الأملاك لأصحاب السلطان ظلموا الرعية وتعدوا عليهم وغصبوهم أملاكهم.
قال : ومن أحسن آرائه أنه كان شديد العناية بأخبار الأطراف وما يجري لأصحابها حتى في خلواتهم لا سيما دركات السلطان ، وكان يغرم على ذلك المال الجزيل ، فكان يطالع ويكتب إليه بكل ما يفعله السلطان في ليله ونهاره من حرب وسلم وهزل وجد وغير ذلك ، فكان يصل إليه كل يوم من عيونه عدة قاصدين.
وكان مع اشتغاله بالأمور الكبار لا يهمل الاطلاع على الصغير وكان يقول : إذا لم يعرف الصغير ليمنع صار كبيرا. وكان لا يمكن رسول ملك يعبر في بلاده بغير أمره ، وإذا استأذنه رسول في العبور في بلاده أذن له وأرسل إليه من يسيره ولا يتركه يجتمع بأحد من الرعية ولا غيرهم ، فكان الرسول يدخل بلاده ويخرج منها ولم يعلم من أحوالها شيئا. وكان يتعهد أصحابه ويمتحنهم. سلم يوما خشكنانكة إلى طشت دار له وقال له : احفظ هذه ، فبقي نحو سنة لا يفارق الخشكنانكة خوفا أن يطلبها منه ، فلما كان بعد ذلك قال له : أين الخشكنانكة ، فأخرجها في منديل وقدمها بين يديه ، فاستحسن ذلك منه وقال : مثلك ينبغي أن يكون مستحفظا لحصن ، وأمر له بدزدارية قلعة كواشي ، فبقي فيها إلى أن قتل أتابك.