يحمل فيه المفهوم على المفهوم بما هما مفهومان ، ويشهد بذلك وجود الحمل عند غير المتمكّن من التلفّظ ، فإن الأخرس يرى مفهوم «الحيوان الناطق» وهو مفهوم تفصيلي ، ويرى مفهوم «الإنسان» وهو مفهوم إجمالي ، ثم يحمل هذا على ذاك ويحكم بالاتحاد. فالحمل الأوّلي يكشف عن الاتحاد بين المفهومين ، وبحث الحقيقة والمجاز إنما يكون في عالم الاستعمال بالنظر إلى المستعمل فيه بما هو مستعمل فيه.
وأمّا في الحمل الشائع ، فإن هذا القسم من الحمل ينتج كون هذا مصداقاً لذاك أو ليس بمصداقٍ له ، كقولنا : «زيد إنسان» وقولنا : «زيد ليس بجماد» ، وهذا لا علاقة له بالمستعمل فيه اللّفظ ، سواء كان حقيقةً أو مجازاً.
وهذا الإشكال قد ذكره الاستاذ في الدورة السابقة ، وأجاب عنه بما ذكره المحقّق الأصفهاني في كتاب (الاصول على النهج الحديث) من أن الحمل يكشف عن الاتحاد المفهومي ـ كما في الأوّلي ـ أو الوجودي ـ كما في الشائع ولكنْ ربما يحصل منه المعنى الحقيقي في حال كون المحمول مجرّداً عن القرينة. وأوضحه شيخنا بأنّا لا ندّعي أن مطلق الحمل يكشف عن المعنى الحقيقي ، بل هو فيما إذا كان اللّفظ فانياً في المعنى ومحمولاً على الموضوع بلا قرينةٍ ، فإنّه حينئذٍ يكشف عن المعنى الحقيقي.
أمّا في الدورة اللاّحقة ، فقد أورده ، وبه أسقط صحّة الحمل عن كونه علامةً ، والظاهر أنّ هذا هو الصحيح ، فإني لا أرى كلامه المزبور وافياً بالجواب.
وأسقط شيخنا هذه العلامة في الدورة السابقة ـ بعد الجواب عمّا أورد عليها ـ بأن القابل للاستدلال هو الحمل الشائع ، لكنه ـ كما قال المحقق الأصفهاني ـ يرجع إلى التبادر ، وليس علامةً غيره.