صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً» (١) هو التغاير بين صلاتهم وصلاتنا تغايراً جوهريّاً ، فللبحث في مثل هذا مجال ، أمّا أن يدّعى أن المعاني كلّها مستحدثة ـ كما عن المحقق الخراساني ـ فدون إثباتها خرط القتاد.
وذهب المحقق العراقي ـ وتبعه السيد الخوئي ـ إلى وقوع الوضع بالاستعمال ، فقال المحقق المذكور : بأن الطريقة العقلائية قائمة على أنه لو اخترع أحد شيئاً فإنه يضع عليه اسماً ، ولو أنّ الشارع قد تخلَّف عن هذه الطريق لنبّه وبيّن ، وحيث أنه قد تحقّق منه الوضع التعييني ولم يكن بالقول ، فهو لا محالة بالاستعمال.
هذا حدّ دليله ، ولا يخفى ما فيه ، فإن الطريقة العقلائيّة هذه ليست بحيث لو تخلَّف عنها أحد وقع من العقلاء موقع الاستنكار ، بل قد يخترع أحد شيئاً ويستعمل فيه لفظاً مجازيّاً ، ثم يشتهر المجاز فيصير حقيقة.
والألفاظ في شرعنا لمّا استعملت في معانيها الشرعيّة بكثرةٍ ، أصبحت حقيقةً فيها ، ودلّت عليها بلا قرينة.
فتحصّل : أن وقوع الوضع بالاستعمال في الشرعيّات لا دليل عليه ، بل إن الشارع في بدء أمره استعمل تلك الألفاظ في معانيها اللغويّة ، ثم إنها على أثر كثرة الاستعمال في المعاني الشرعيّة أصبحت حقائق فيها ، حتى في زمن الشارع ، فلفظ «الصلاة» مثلاً في اللّغة عبارة عن العطف والتوجّه ، وفي هذا المعنى استعمله الشارع ، ثم بيّن الخصوصيّات المعتبرة في هذا المعنى بدوالٍّ اخر ، فقوله «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» معناه : ادعوا وتوجّهوا إلى الله ، لكنْ
__________________
(١) سورة الأنفال : ٣٥.