وهاهنا صور :
١ ـ أن يرد الحكم على الموضوع ، وبعد وروده ينقضي المبدا ، كأن يحكم بإكرام العالم العادل ، وتنقضي العدالة عن الذات بعد ثبوت الحكم.
٢ ـ أن ينقضي المبدا عن الموضوع ، ثم يرد الحكم.
فبناءً على عدم جريان الاستصحاب الحكمي في الشبهات المفهوميّة ، يكون الأصل الجاري هو البراءة ، لكون المورد ـ في كلتا الصورتين ـ من موارد الشك في التكليف الزائد ، لرجوع الشك إلى أصل وجوب الإكرام.
٣ ـ أن يتوجَّه الحكم بوجوب الإكرام على عنوان «العالم العادل» ولم يمتثل بعد ، فإنْ امتثل في مورد المتلبّس يقيناً سقط التكليف ، وإنْ اكرم من انقضى عنه التلبس يشك في حصول الامتثال وسقوط التكليف ، وبذلك يتّضح أنّ هذه الصورة من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فإنْ قلنا بالاشتغال ، حكمنا بوجوب إكرام خصوص المتلبّس ، وبه قال المحقق العراقي ، مع قوله بالبراءة في الصورة الاولى تبعاً لصاحب (الكفاية) ، وفي الثانية بالاستصحاب ، لأنّه يرى جريانه في الشبهات المفهوميّة.
لكنّ المختار في دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو البراءة ، إلاّ أن موارد دوران الأمر كذلك مختلفة ، فتارةً : يكون التكليف غير معلومٍ تماماً ، كأنْ يكون الإجماع دليل الوجوب ، وهو دليل لبّي ، فمثله من صغريات دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، والأصل هو البراءة. واخرى : يكون التكليف معلوماً بوجهٍ من الوجوه ، ومعه يصح للمولى الاحتجاج على العبد ، فلا مجال لأصل البراءة ، وموردنا من هذا القبيل ، إذ التكليف معلوم ، والتحيّر يعود إلى مقام الامتثال والتطبيق ، ومع الشك في صدق «العالم العادل» على من انقضى عنه التلبّس ، لا يجوز الاكتفاء به ، بل المرجع هو الاشتغال.
هذا تمام الكلام في المقام الثاني.