وإن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميّة إلاّ في الحكم ، فإنه مع الشك في بقاء الحكم بوجوب الإكرام ـ بعد اليقين به سابقاً ـ ، يجري الاستصحاب ، ولا تصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال.
وإنْ قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميّة مطلقاً ، كما هو المختار ـ أمّا في الموضوع ، فلأنه يعتبر في الموضوع المستصحب أن يكون ذا أثر شرعي ، والمفاهيم لا أثر لها ، وأمّا في الحكم ، فلأنه يعتبر في الاستصحاب وحدة الموضوع في القضيّتين ، وهي هنا مفقودة (١) ـ.
فتصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال.
__________________
(١) إن المفاهيم ـ بما هي مفاهيم ومداليل للألفاظ ـ ليست بموضوعات لآثار شرعيّة ، فمفهوم «الخمر» ليس بحرامٍ ، بل الحرام هو الخمر الموجود خارجاً ، ومفهوم «الكر» ليس بذي أثر بل الأثر الشرعي يترتب على المصداق الخارجي ، وحينئذٍ لا بدّ من توفّر أركان الاستصحاب ـ اليقين السابق والشك اللاّحق ـ في المصداق الخارجي ، وكذا «العالم» في المثال ، فإنه ليس مفهوم هذه اللفظة بما هو موضوعاً للأثر بل واقع العلم ، ومع الشك يدور أمره بين ما انقضى عنه التلبس وهو منتف يقيناً ، وبين كونه حقيقة في الأعم فيكون باقياً يقيناً ، فالشك في البقاء منتفٍ ، فلا يجري الاستصحاب في طرف الموضوع.
هذا بالنسبة إلى الموضوع.
وكذلك الحال بالنسبة إلى الحكم. وذلك ، لعدم صدق نقض اليقين بالشك في حال اختلاف موضوع القضيّة المشكوكة مع موضوع القضية المتيقّنة ، فلا بدّ من وحدة الموضوع ، وهي في الشبهات الحكميّة منتفية ، لأن أمر الموضوع فيها يدور بين الزوال تماماً والبقاء يقيناً ، لأن تلك الذات إن كانت متلبّسةً بالعلم ، فإنه مع زوال التلبس يزول موضوع الاستصحاب ، لان المفروض كون التلبّس جزءاً للموضوع ، وبناء على الأعمّ يكون الموضوع باقياً يقيناً ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب.
وبما ذكرنا يظهر أن الدّليل على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة هو قصور المقتضي ، أي عدم شمول أدلّة الاستصحاب لمثل هذه الشبهات ، لا المعارضة بين استصحاب عدم المجعول واستصحاب عدم الجعل ، لأنّ التعارض فرع وجود المقتضي لشمول الأدلَّة للطّرفين ، وتفصيل الكلام في محلّه.