إمّا هي مطلقة للعالم والجاهل بها ، أو أنها مختصّة بالعالم بها ، فإن كانت مطلقة لزم أنْ يدركها الجاهل باللغة أيضاً ، وإنْ كانت لخصوص العالم بالوضع ، فإنّ العلم بالوضع متأخر عن الوضع ، فجعل العلقة الوضعيّة للعالم بها محال ، بل لا بدّ من أن يتحقق الوضع ، ثم يحصل العلم به ، ثم تجعل الملازمة لخصوص العالم.
وأجاب شيخنا دام ظلّه : بأنّ هذا الإيراد بعد الدقّة في كلام العراقي غير وارد ، لأنّه يرى أن الجعل هنا هو كسائر المجعولات الأدبيّة ، فكما أن الجاعل يضع المرفوعية للفاعل والمنصوبيّة للمفعول ، كذلك يجعل اللّفظ مبرزاً للمعنى ، وعلى هذا ، فكما أنّ القواعد في العلوم الأدبيّة قابلة لتعلّق العلم والجهل فكذا الاختصاص الوضعي بين اللّفظ والمعنى ، وكما لا معنى للسؤال عن أن تلك القواعد مجعولة لمطلق الناس أو لخصوص العالمين ، فكذلك اختصاص اللّفظ بالمعنى ، وعلى الجملة ، فإنّ هنا اعتباراً خاصّاً بين طبيعيّ اللّفظ والمعنى ، بغضّ النظر عن العلم والجهل. هذا أوّلاً.
وثانياً : إن حلّ المطلب أنّه لا مانع من القول بكون المجعول في باب الوضع هو : اختصاص اللّفظ بالمعنى من باب الملازمة ، بأن تكون هذه الملازمة نظير الملازمات الخارجيّة ، كالتي بين النار والحرارة ، فإنها موجودة سواء علم بها أولا ، وهنا يجعل الجاعل الملازمة بين اللّفظ والمعنى ، وهو جعل مهمل بالنسبة إلى العالم والجاهل ، والسرّ في ذلك هو : إن الاهمال ليس بغير معقول على الإطلاق ، بل كلّ انقسامٍ كان من خصوصيّات نفس الجاعل فالإهمال فيه غير معقول ، مثلاً : الرقبة تنقسم إلى المؤمنة والكافرة واعتبار وجوب العتق تعود كيفيّته إلى المعتبر ، فتارةً يجعله مع لحاظ الرقبة لا بشرط