أوفد زياد إلى معاوية وفدا من أهل البصرة فيهم رجل من بني تيم الله (١) بن ثعلبة من بكر بن وائل ، فلمّا دخلوا على معاوية قام التيمي ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أمير المؤمنين إنّ السامع المطيع (٢) لا حجة عليه ، وإن السامع العاصي لا حجة عليه ، وإن الله إذا أراد بقوم خيرا ولي أمرهم علماؤهم ، وقضى بينهم فقهاؤهم ، وجعل الأموال في سمحائهم ، وإذا أراد بقوم سوءا ولي أمرهم سفهاؤهم وقضى في الأحكام جهلاؤهم وجعل الأموال في بخلائهم ، قال : فأحفظ معاوية ، ثم دعا له على رءوس الناس بعطية جزيلة ، فقال : خذها يا أخا بني تيم ، أبخيل أنا؟ فقال : سبحان الله إذ لم تكن بخيلا فأخاف أن تكون مبذرا ، أو لكلّ الناس أعطيت كما أعطيتني؟ قال : لا ، ولا يمكن هذا ، فقال التيمي : فاجعل (٣) نصيبي في هذا الفيء أكثر من نصيب رجل من المسلمين. ففرّق (٤) في ذلك الوفد معاوية مالا عظيما ، وأمرهم بالشخوص إلى بلدهم ، وكتب إلى زياد : لا تزال توجّه إليّ الرجل بعد الرجل فيقف بين يدي مؤنبا ، أولى لك. فلمّا قرأ الكتاب زياد قال : عليّ نذر لأصلبن التيمي على أربع جذوع ، ثم جعل ينتظر قدومه يوما يوما ، ويعدّ له المراحل حتى انتهى التيمي إلى بعض المنازل ، فمات به ، وبلغ زيادا موته فبعث إلى ابن أخ له من أهل البصرة فقال : عمّك الحروري يؤنب أمير المؤمنين؟ فقال الفتى : والله أيها الأمير ما استأمرتني فيه حين أردت توجيهه ولا ضمنت لك سقطة إن جاءت على لسانه ، ولو انتخبته بعلمك واخترته برأيك ، فإن جاءتك فلا عليك بل على نفسه ، وبعد ، فمهما كنت صانعا به ـ أيها الأمير ـ لو ظفرت به أهو أكثر من أن تقتله؟ فقد قتله الله وكفاك أمره ، فقال زياد : يا سلم ، انطلق به ، فاحتبسه الليلة حتى ينكّل به غدا على رءوس الناس. فدفعه سلم (٥) إلى غلام له فقال : امض به إلى الحبس (٦) ، فمضى به الغلام ، فلمّا كانوا في بعض الطريق أفلته الفتى ، وفرّ هاربا وأنشأ يقول :
وأيقنت أني إن تلبثت (٧) ساعة |
|
على باب سلم (٨) سار جسمي إلى قبري |
__________________
(١) بالأصل : «تيم الكلاب» كذا ، راجع جمهرة ابن حزم ص ٣١٥.
(٢) تحرفت بالأصل إلى : الطبع.
(٣) كذا بالأصل.
(٤) بالأصل : فعرف ، ولعل الصواب ما أثبت.
(٥) بالأصل هنا : سالم.
(٦) تحرفت بالأصل إلى : الجيش.
(٧) تقرأ بالأصل : بليت ، والمثبت «تلبثت» عن مختصر ابن منظور.
(٨) بالأصل : سالم.