في حمالة (١) تحمّلتها عن قومي ، وأنا من فرسانهم ، فارددني لك شاكرا. فقال يزيد : اشدد فرسك بحزامه ، وأشج فاه بلجامه ثم ارم به سواد الليل في عرض الجبل ، حتى يقضي الله عنك غرمك أو يحمد نجمك.
فقال الرجل : والله لقد خفت هذا منك ، ولكني رجوت لين قلبك ، وكان الرجل طويل القامة ، مختلف الخلق ، وأنشأ يزيد يقول :
يا أيها الأعقف (٢) المدلي بحجته |
|
لا حرمة تبتغي عندي ولا نسبا |
شد الحزام على حيزوم (٣) محتنك |
|
ذي حارك (٤) ولبان (٥) يملأ اللببا (٦) |
واعص العواذل وارم الليل عن عرض |
|
بذي سبيب يقاسي ليله خببا |
أقب لم ينقب البيطار سرّته |
|
ولم يدجه ولم يغمز له عصبا |
حتى تصادف مالا أو يقال فتى |
|
لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا |
فقال الطائي :
يا أيها الملك المحروم سائله |
|
لا تقطع اليوم من سؤالك السببا |
قد كنت آمل سجلا من سجالكم |
|
فاليوم لا فضة أرجو ولا ذهبا |
فاستفتح القول شد السرج معترضا |
|
جور الفلاة بطرف يمعج الخببا |
لو كان والدك الماضي حللت به |
|
رد الجميل وجلّى عنى الكربا |
إن الحريب إذا ما ردّ مطعمه (٧) |
|
بخل الخليفة يوما رده حربا |
فتذمم يزيد وأمر له بعشرة آلاف درهم ، وكان يقول بعد ذلك ، وددت أني فديت ما كان من قولي ـ حتى تصادف مالا ـ بما يثقل عليّ ، لأني أعلم كم من فتى فارس كريم سيهلكه هذا البيت ويحمله على غير طباعه عند ضيق المعيشة. قال الرحبي : وصدق لعمري.
__________________
(١) الحمالة ما يتحملها الإنسان عن غيره من دية أو غرامة.
(٢) الأعقف : الفقير المحتاج.
(٣) الحيزوم : وسط الصدر ما يضم عليه الحزام حيث تلتقي رءوس الجوانح فوق الرهابة بحيال الكاهل.
(٤) الحارك : أعلى الكاهل.
(٥) تقرأ بالأصل : «ولبامى» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٦) اللبب : ما يشد على صدر الدابة أو الناقة يكون للرحل أو السرج يمنعهما من الاستئخار.
(٧) الأصل : «مطمعه» والمثبت عن المختصر.