بالحجاز ، فخاصم الرجل وكلاء الأموي في ذلك إلى الوالي الذي كان عليهم ، فمال (١) لهم عليه ، فقال الرجل : لا أرضى إلّا بوالي مكة والمدينة ، فصاروا إليه ، فكتب الأموي إلى الوالي الذي كانوا ارتفعوا إليه ، فمال (٢) لوكلائه على الرجل أيضا ، فقال الرجل : لا أرضى إلّا بأمير المؤمنين ، وأمير المؤمنين يومئذ سليمان بن عبد الملك ، فخرج الرجل حتى أتى دمشق ، فلم يلق أحدا من جلساء سليمان ولا عظيما من عظماء دمشق إلّا كان ميلهم إلى الأموي عليه ، فطلب الوصول إلى الخليفة ، فتعذر عليه ، فطفق يشكو ذلك إلى كل من جلس إليه وأنس به حتى شكا ذلك إلى رجل من بوّابي سليمان ، فرقّ له البواب وقال له : ما يوصلك إليه أحد إلّا خصي له أثير عنده ولا يوصلك إليه حتى ترغب له ، فقال له الرجل : فأنا أجعل له مائتي دينار على أن يوصلني إليه خاليا ، فسفر البواب بينه وبين الخصيّ حتى فهم الخصيّ حاجة الرجل ، وما جعل له من الجعالة ، وصيّر البواب أمينا بينهما ، وجعل الدنانير على يديه ، على أن الدنانير للخصي إذا وصل الرجل إلى سليمان وكلّمه خاليا ، قضيت حاجته أم لم تقض ، فأمر الخادم الرجل بلزوم الباب ، فجعل يغدو ، فلا يزال ملازما للمال حتى إذا أمسى انصرف إلى رحله ، فلم يزل كذلك يغدو كلّ يوم إلى أن دعا سليمان الخصي يوما ، وأمره أن يأتيه بوضوء ، فأتاه به ، فبينا الخادم يصبّ على سليمان إذ ملأ سليمان يده فضرب بها وجه الخادم ، فقال الخادم وعرف منه طيب نفس : أمّا هذا فتحسنه ، وأما أن تعطيني أو تدع من يعطيني فلا ، فقال له سليمان : هل منعت من عطيتك أحدا؟ فقال : هذا رجل ببابك ، قد جعل لي مائتي دينار على أن (٣) يكلّمك في حاجة له خاليا ، قضيت الحاجة أم لم تقض ، فقال له سليمان : أدخله ، فمضى الخادم فأدخله. وقام سليمان يصلي ، ثم قعد يخطر بإصبعه ويدعو ، فدخل الرجل وسليمان يخطر بإصبعه إلى السماء يدعو الله ، فقال الرجل حين نظر إلى سليمان في تلك الحال : أوّاه أوّاه ، أخطأت موضع حاجتي ، ثم رجع منصرفا خارجا ، وانصرف سليمان وقال للخصي : أين صاحبك؟ فطلبه ، فوجده قد خرج ، وقال للبواب : ادفع الدنانير إلى الخادم ، فإنه قد وفى بما ضمن ، فطلبه الخادم على الباب ، فلم يصبه ، فرجع إلى سليمان فأخبره بذلك. فقال سليمان للخادم بساطي عليك محرّم أو تجيئني بهذا الرجل. فخرج الخادم وثقاته
__________________
(١) تقرأ بالأصل : فصلع.
(٢) راجع الحاشية السابقة.
(٣) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.