رسله تختلف إلى منزل ذلك الرجل يطلبونه وفي جبرانه (١) فلم يظفر به ، فهرب الرجل فجعل لا يأتي بلدة إلّا قيل له قد كنت تطلب هاهنا. فلمّا طال عليه أمره ، وخشي أن لا يفلت (٢) قال : ما أجد شيئا خيرا من أن أذهب إلى بلاد ليس فيها مملكة ، فعزم على ذلك ، فأقبل قاصدا إلى أهله حتى طرقهم ليلا ، فدقّ الباب فقالت المرأة : من هذا؟ قال : افتحي ، أنا فلان ، فقالت : ويحك وما الذي جاءك بك ، فو الله ما نأمن ولا يأمن جيراننا ، ولكن والله أرى الحين (٣) جاء بك ، ففتحت له وأسرجت له سراجا ونبهت له عياله ، وجاءته بعشاء فتعشى ، وإنه أرادها على نفسها ، فلم تمتنع عليه ، فوقع بها وقالت : يا جارية ضعي لمولاك في المتوضأ سراجا وصبي له ماء واذهبي إلى فلان وفلان أربعة من جيرانها ولا يعلم الرجل ، فأتت أبوابهم ، فقرعت عليهم ، فقالوا لها : ويلك ما لكم أطرقكم الليل أحد؟ قالت : لا. قالوا : فلأي شيء بغيتك (٤)؟ قالت : ما لي به علم ، قال : فدق هذا على هذا وقالوا : تعالوا إلى هذه البائسة ، فقد استعانت بكم ، فأتوها ، ففتحت لهم الباب ، فقالت : ادخلوا البيت ، فدخلوا البيت ، فقام إليهم فاعتنقهم. قالوا : ما الذي جاء بك؟ فو الله ما نأمن على منازلنا ، ولكنا نرى الحين جاء بك. فقال : يا قوم إنّي لم آت بلدة إلا وجدتني أطلب فيها ، فلم أر شيئا خيرا من أن أدخل بلدة ليس له عليها مملكة ، وهذا وجهي ، وإنّما جئت لأوصي هذه المرأة وصية الموت ، لأني إن دخلت بلادا غير بلاد الإسلام لم أقدر أن أخرج منها. فأوصيت إليها وأشهدهم على ذلك ، ثم ودّعهم ، وقاموا يخرجون فقالوا : أيتها المرأة لأي شيء بعثت إلينا؟ فقالت : أليس تعرفون الرجل؟ إنه زوجي ، قالوا : بلى ، قال : فإنه قد كان منه الليلة ما يكون من الرجل إلى أهله ، فاشهدوا عليّ هذه الليلة ، فإنه لا أدري ما يكون هاهنا وأومأت إلى بطنها فيقول الناس : من أين جاءت بهذا وزوجها غائب؟ قالت : فخرج القوم وهم يقولون : ما رأينا كاليوم امرأة قط أحسن عقلا ، ولا أقرب مذهبا. قال : وودّعوه ، وخرج الرجل ، ترفعه أرض ، وتضعه أخرى ، حتى ظنّ أنه قد خرج من مملكته قال : فبينما هو في صحراء ليس فيها شجر ولا ماء إذا هو برجل يصلي ، قال : فخفته ، وقلت : هذا يطلبني. قال : ثم رجعت إلى
__________________
(١) كذا رسمها بالأصل.
(٢) تحرفت بالأصل إلى : يقلب.
(٣) الحين : الهلاك.
(٤) كذا ، وفي المختصر : بعثتك.