الغلام فإذا هو قائم وقنديل يسرج ، فقلت لها : سألتك بحقّ كذا وكذا الذي كنت تخصيني به خصّي به هذا الغلام ، متى كنت أؤمل أن أنظر أو أرى مثل هذا؟ هذا وليّ من أولياء الله ، فلمّا أصبحنا خرجت أنا والغلام إلى المسجد ، فلم نزل إلى أن صلينا العشاء الآخرة ، ثم نهضت ونهض معي فأحببت الاعتذار إليه وأعذر المرأة. فقلت : يا حبيبي ، إنّ المرأة البارحة أنسيت تجيئك بطعام وسراج حتى مضى من الليل ما مضى ، وأطفأت السراج وجاءت تأوي إلى فراشها ، فذكرت أنها لم تأتك بطعام ولا سراج ، فنهضت مسرعة فقدحت وأسرجت وجاءتك بطعام وسراج فرأتك على حالة فرجعت إليّ وأنبهتني من نومي ، ثم قالت لي : إنّ هذا الغلام أنسيت أن أؤدّي إليه طعاما وسراجا إلى هذا الوقت ، وأطفأت السراج وجئت آوي إلى فراشي فذكرته فنهضت مسرعة فقدحت وأسرجت فرأتك على حالة جميلة ، فقال لي : يا قاسم عليك السّلام ، فقلت له : إلى أين تريد الساعة ولا أحد يذهب ولا يجيء ، فقد مضى من الليل ما مضى ، فلم أزل أتضرع إليه على أن يبيت عندي تلك الليلة ، ففعل ، وأجابني إلى ذلك ، فقمت إلى مزود (١) عندي ، فجعلت فيه فتيتا وركوة كانت لي وعشرة دراهم ، فلمّا أصبحنا غدوت وغدا الغلام معي إلى المسجد ، فلمّا صلينا الغداة نهض الغلام ونهضت معه ، فمضينا حتى صرنا إلى الموطأة فقلت له : إلى أين تومي؟ فقال : إلى بيت المقدس ، فقال لي : ما مشيت معي اليوم وغدا وبعده أليس ترجع؟ فقلت : بلى ، فقال لي : ارجع من هاهنا ولا تتغني ، فقلت : يا حبيبي خذ هذا الفتيت تشربه في الطريق ، وهذه الركوة تتوضأ فيها للصلاة ، وهذه العشرة دراهم أخبرك ما كان عندي غيرها ، ولكن يرزق الله ، فقال لي : يا قاسم ما لي فيها حاجة ، وأقبلت أطلب إليه وأتملّقه ، فبعد حين أخذ الركوة فقال : هذه أتوضأ فيها للصلاة ، وأذكرك بها ، فقلت : فخذ هذا الفتيت وهذه الدراهم ، فأدخل يده في كمّه ، فأخرج كفه مملوءة دنانير ، ثم قال لي : يا قاسم ، من كان هذا معه أيش يعمل بدراهمك؟ فأقبلت أنظر إلى الدنانير في كفه (٢) ، ثم رمى بها إلى الأرض فنظرت إلى الموضع الذي رماه ثم التفتّ فإذا ليس بالغلام ، فقال أصحابه : ما كان قاسم الجوعي يحدّثنا في اليوم حديثين أو ثلاثة أكثره ، فلمّا رأى من الغلام تلك الليلة ما رأى لم يزل يحدّثنا من غدوه إلى عشيه وعينيه في عين الغلام ما تطرف عنه.
__________________
(١) المزود : وعاء يجعل فيه الزاد.
(٢) في المختصر : في كمه.