يقال لها مريم ، وكانت امرأة صالحة ، وكانت من أخيار نساء بني إسرائيل وكانت توصف بجمال فائق ، وكانت امرأة كثيرة المال وكانت بها عاهة ، وكانت تستحيض الدهر كله ، لا تقدر على أن تتزوج للعاهة التي بها ، وكان يخطبها الملوك والأشراف ، فامتنعت من العاهة التي كانت بها ، وظنوا أنها ترغب بنفسها وترفعها عنهم ، فأبغضوها وشينوها ، وكانت تكتم الذي بها ، فلمّا سمعت بعيسى واجتماع الناس عليه ، وما أظهر من الآيات والعجائب التي كان يتخذها بإذن الله من إشفاء المريض والزّمن ، فحدّثت المرأة نفسها وقالت : لو أتيت هذا النبي الذي بعثه الله إلى بني إسرائيل ، فأستوصفه لذاتي لعل الله يشفيني به ، أو مسّيت ثوبه أو شيئا من جسده لرجوت أن يشفيني الله به ويطهّرني ؛ فأقبلت حتى دخلت في غمار الناس ، وقد ازدحم المرضى والزمنى على عيسى ابن مريم ، فدخلت متنكرة بينهم في أطمارها ، فلم تزل في الزحام حتى وصلت إليه فلمّا رأت نور وجهه ، وما ألبسه الله من هيبة سلطانه خافت ، وأدركها ما يدرك النساء من الحياء والخجل ، فتحيّرت فلم تتقدم ولم تتأخر ، فلما ضاق بها أمرها تحوّلت من خلف عيسى ، فوضعت يدها على ثوب (١) عيسى فمسّته ثم أسرعت فتوارت في الزحام والتفت عيسى ساعة مسّت ثوبه فقال لشمعون : من مسّني يا شمعون؟ قال شمعون : ومن لم يمسك الناس أكثر من ذلك؟ فقال عيسى : لقد مسّني إنسان له في مسي أمل ونية ، ولقد أعطاه الله ما أمل ونوى ، فلمّا سمعت المرأة فرحت بذلك ، ثم دنت فأسفرت عن وجهها فقالت : يا نبي الله أنا التي مسّتك وطهّرني الله بطهرك ، وقد أجمعت على خلع الدنيا والزهد فيها ، وصحبتك والانقطاع إليك ، فأقبلت على مالها فأنفقته في سبيل الله على ما كان يأمرها عيسى ، حتى أنفذته وصارت فقيرة من فقرائهم ، وتخلّت للعبادة ، وتبتّلت ، فكانت تعدّ من أصحاب عيسى ابن مريم ، وكان لا يصحب عيسى أحد إلّا اختار الزهادة للذي أعطاه الله من الزهادة ، وكانت هذه الامرأة تعدّ في الحواريين فيما زعموا عدتهم ثلاثة عشر ، وكان رأس الحواريين سمعون ، وهو أول من آمن بعيسى ، فقال له : وهو يغسل درّاعة له من صوف ، فقال له : يا سمعون هل أنت ناصر ربك؟ قال : نعم ، قال : فقم معي ، فقام معه سمعون.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحارث بن أبي أسامة ، أنا محمّد بن سعد ، أنا هشام بن محمّد بن السائب ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال (٢) : كان بين ميلاد عيسى والنبي صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) تقرأ بالأصل : نور.
(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٥٣.