يعبده؟ ومن لا يضر مسسعه (١) كيف (٢) يقطع به؟ ومن لا يعمل عملا صالحا كيف ينفعه؟ ومن لا يخشى العقوبات كيف يترك المحارم؟ ومن لا يهمه عيب وجهه كيف ينظر في المرآة؟ ومن لا تهمه الخطايا كيف يترك الذنوب؟ ومن لا يبذل ماله لحليله كيف يحبه؟ ومن لا يطيع ربه كيف يذهبه؟ يا عبيد الدنيا ما ذا ينقص من نور الشمس من هو قائم فيها ، بل ينتفع من مشى فيها ، وكذلك الله لا ينقص ما أعطى بل يزيد من شكر. يا عبيد الدنيا إنّ العسل ليس في الزق كلّ ساعة ، كذلك الحكمة ليس قلوبكم كل ساعة ، إنّ الزقّ ما لم ينخرق سوف يساد فيه العسل ، كذلك أنتم ما لم تخرق (٣) شهوات الدنيا قلوبكم فسوف يعاد فيها الحكمة فلا تفسدوها بالخطايا ، ولا يطولن بكم الأمد ، إن ابتليتم بشيء من ذلك ، ولكن اصبروا على ترك الخطايا ، فإن ترك الخطايا أهون من طلب التوبة. يا عبيد الدنيا ما أكثر الشجر وليس كله يثمر ، وما أكثر العلماء وليس كلكم يعمل. إن الدابة ما لم ترضّ تستصعب ، وإنّ قلوبكم ما لم تلق تتركوا (٤) العلم. يا عبيد الدنيا إنكم لا تدركون ما تأملون إلّا بالصبر على ما تكرهون ، ولا تبلغون ما تريدون إلّا بترك ما تشتهون ، ولا ينتظر امرؤ بتوبته لغد فإن من دون غد يوما وليلة ، وأمر الله غاد ورائح ، إذا كنت في عشرين أعمى كلهم يقولون : لم تطلع الشمس ، وأنت تنظر إليها فلا تصدقهم ، وإن جاءك أعمى وأنت على الطريق فقال : إن هذا ليس بطريق فعلي كيف تدعوني إلى الطريق وأنت أعمى لا تبصر. يا عبيد الدنيا كيف يكون من أهل الآخرة من لا تنقضي شهوته من الدنيا؟ ومن لا تنقطع فيها رغبته؟ يا عبيد الدنيا لو أن الله لم يعذب على الخطايا لكنتم متحققين أن تدعوها شكرا لما أنعم عليه بحق أقول لكم. يا عبيد الدنيا إذا أفسدتم آخرتكم وجعلتم العلم تحت ألسنتكم ، والعمل تحت أقدامكم ، فلا أنتم تستعتبون ، لكن على الناس تطعنون ، فأي الناس أخسر منكم لو تعلمون. يا عبيد الدنيا خفتم ربكم على الناس وأمنتموه على أنفسكم ، فكيف يبغض أحدكم صاحبه على الظن ويدع نفسه على اليقين؟ أم كيف يغضب أحدكم إذا ذكر بعض ذنوبه وهي حقّ ويفرح إذا مدح بما ليس فيه بحق أقول لكم ما عمرت أرواح إبليس في شيء ما عمرت فيكم ، إنما أعطاكم الله الدنيا لتعملوا فيها ، ولم تعطلوها لتشتغلوا عن الآخرة ، إنما بسطها لكم لتعلموا ولم يبسطها لكم لتضلوا ، إنما أعانكم بها على العبادة ، ولم يعنكم بها
__________________
(١) كذا رسمها.
(٢) كتبت فوق الكلام بين السطرين.
(٣) بالأصل : يخرق.
(٤) كذا بالأصل.