قال : وحدّثني بعض المدنيين قال : رأينا بين عمودي سرير مولاته الثّريا ومعه نسوة يسعدنه وهو ينوح عليها بقول القائل (١) :
ألا يا عين ما لك تدمعينا |
|
أمن (٢) جزع بكيت فتعذرينا |
أم أنت مصابة تبكين شجوا |
|
وشجوك مثله أبكى العيونا |
قال فرأيت النساء وقد ألهبت فيهن النيران (٣) ، وجميع من مع الجنازة من الرجال والنساء.
قال : وقال الزبيري (٤) : حججنا ، فلما كنا بجمع (٥) سمعنا أحسن غناء ، فعدل الحاج كلهم مصوت إليه ، فإذا هو الغريض ، فسألوه أن يغني صوتا ، فأجابهم ، فوقف حيث يسمع ولا يرى يغني بشعر عمر بن أبي ربيعة (٦) :
أيها الرائح المجد ابتكارا |
|
قد قضى من تهامة الأوطارا |
ليت ذا الدهر كان حتما علينا |
|
كلّ عامين حجّة واعتمارا |
فما سمع السامعون أحسن من ذلك.
قال : وكانت الجن قد تقدمت إليه مرارا ألّا ينوح. وقالوا : قد هربت بسكاننا عن الحرم ، وأخرجتهم منه. ثم تقدموا إليه ونهوه ألّا يتغنّى بهذا الشعر ، وقالوا : قد ذهب بعقول النساء وهو شعر عبد الله بن نمير النميري (٧) :
وما أنس م الأشياء (٨) لا أنس شادنا |
|
بمكة مكحولا أسيلا مدامعه |
وقال أبو عبد الله الجمحي (٩) : حدّثني مولى (١٠) لآل الغريض قال : شهدت جنازة
__________________
(١) البيتان في الأغاني ٢ / ٣٦٥.
(٢) عجزه في الأغاني :
أمن رمد بكيت فتكحلينا
(٣) بالأصل : «النفرات». والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٤) الخبر والشعر في الأغاني ٢ / ٣٦٢.
(٥) جمع : المزدلفة.
(٦) البيتان في الأغاني ١ / ١٦٧ و ٢ / ٣٦٢ وديوان عمر بن أبي ربيعة ص ١٨٨ قالها في أم محمد بنت مروان بن الحكم.
(٧) البيت في الأغاني ٢ / ٣٨٧.
(٨) بالأصل : «من الأشياء» والمثبت عن الأغاني.
(٩) الخبر في الأغاني ٢ / ٤٠١.
(١٠) سماه في الأغاني : أبا قبيل.