المعنى :
(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ). سبق تفسير قوله تعالى في الآية ١٢ من هذه السورة : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً). والآية ١٣ : «فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم». وقال المفسرون : ان الله سبحانه كرر أخذ الميثاق من اليهود ، ونقضهم إياه بقتلهم الأنبياء وتكذيبهم ـ كرر ذلك تأكيدا لعتوهم وشدة تمردهم .. ونضيف نحن إلى ذلك ان الله جل ثناؤه قد أراد أيضا من هذا التكرار ـ وهو أعلم بما أراد ـ أن يحذر ذراري المسلمين من ذراري اليهود ، حيث سبق في علمه تعالى ان المسلمين سيفترقون إلى طوائف وينقسمون إلى دويلات ، وان اليهود سيستغلون هذا الانقسام لإنشاء دولة لهم في قلب البلاد الإسلامية ، ويكون منها ما كان.
(وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) بينوا لهم طريق الحق والهداية ، ولكن (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ). فهوى النفس وحده هو الآمر الناهي عند اليهود ، ولا جزاء لمن خالفهم ـ وان كان نبيا ـ إلا القتل ان قدروا عليه ، أو التكذيب ان عجزوا عن القتل .. وهذا الوصف لا يختص باليهود ، وان كان الحديث عنهم ، فكل من انخدع لهواه يفعل مثل ما فعلوا ، يهوديا كان ، أو مسلما ، أو نصرانيا.
(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ). المراد بالفتنة هنا شدائد الأمور ، كتسلط الأقوياء عليهم بالقتل والتخريب والتشريد ، أي ظن اليهود أنهم لا يغلبون أبدا لأنهم شعب الله المختار بزعمهم .. وقد اعتمدوا على هذا الزعم فيما مضى ، أما اليوم فإنهم يعتمدون على القوى الاستعمارية ، والعناصر الرجعية ، والشركات الاحتكارية ، وعلى إثارة الفتن والخلافات ، ونشر الفساد والانحلال.
(فَعَمُوا وَصَمُّوا). كل من كره شيئا عمي عن محاسنه ، وقد كره اليهود كل شيء إلا ما تهوى أنفسهم ، لذا تعاموا عن منهج الحق ، وتصاموا عن صوت العدل ، فسلط الله عليهم البابليين ، فقتلوا رجالهم ، ونهبوا أموالهم ، وسبوا نساءهم وأطفالهم (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بعد أن تابوا ، لشدة ما أصابهم في أسر بخت نصر من المذلة والمهانة (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ). أي أن الله سبحانه