وأنذر أول من أنذر قومه ، فأمرهم بعبادة الله وحده معترفا بأنه ربه وربهم ، ومنذرا من يشرك بالله بأليم العذاب ، ولكن النصارى أبوا إلا القول بربوية عيسى (ع) ومن جحد بها فقد جحد بخالق الكون في عقيدتهم.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ). أنكر سبحانه على النصارى أولا تأليه السيد المسيح (ع) ، ثم أنكر عليهم في هذه الآية جعلهم الله واحدا من ثلاثة ، وقولهم : إن الله هو الأب والمسيح هو الابن ، ثم حل الأب في الابن واتحد به فكوّن روح القدس ، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة هو عين الآخر ، وهو غيره. وتقدم الكلام في ذلك عند تفسير الآية ١٧ من هذه السورة ، والآية ١٧٠ من سورة النساء.
(ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ). سئل الإمام علي (ع) عن التوحيد والعدل ، فقال : التوحيد ان لا تتوهمه ، والعدل أن لا تتهمه. أي من توحيد الله ان لا تتصوره بوهمك ، لأن كل موهوم محدود والله لا يحد بوهم ، والعدل ان لا تتهم الله بحكمته ، وانه فعل ما لا ينبغي أن يفعل.
(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). وتسأل : ان (منهم) في الآية تدل بظاهرها ان النصارى فيهم الكافر والمؤمن ، مع العلم بأنهم جميعا يقولون بألوهية عيسى والله سبحانه يقول : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)؟
وأجاب المفسرون بأن (منهم) أخرجت من تاب وأسلم ، وأبقت من أصر على الكفر .. ويلاحظ بأن من أسلم لا يعد منهم ، والصحيح ان النصارى ظلوا على عقيدة التوحيد ، والإيمان بنبوة عيسى أمدا غير قصير ، ثم انقسموا إلى طائفتين : إحداهما تؤمن بالتوحيد ، والأخرى تقول بالتعدد .. وعلى طول الأمد اتفقت كلمة الجميع على التثليث ، وعلى هذا فلفظ (منهم) اخرج الطائفة البائدة التي كانت تؤمن بنبوة عيسى ، لا بألوهيته. وتقدم الكلام عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ١٧ من هذه السورة.
(أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ما أوضح هذا الكلام. ورغم هذا الوضوح أبى بعض المفسرين إلا أن يفسره ويقول : «هنا فعل