وفيهما معا : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). ومنه قوله تعالى في هذه الآية (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) فإن المراد من (ما) كل ما اتخذ معبودا من المخلوقات فيندرج فيه عيسى ومريم والأصنام .. أجل ، ان استعمال (ما) فيما لا يعقل أكثر من استعمالها فيمن يعقل. على العكس من استعمال (من).
أما وجه الاحتجاج على النصارى بهذه الآية فلأن الإله المعبود هو الذي يملك لعباده ضرا ونفعا ، أما العاجز فمحال أن يكون إلها .. وقد ذكرت الأناجيل ان عيسى الذي يدعون له الألوهية قد أهين وصلب ودفن بعد أن وضعوا اكليل الشوك على رأسه ، ومن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فبالأولى أن لا يملكهما لغيره .. ومن كان هذا شأنه لا يعبده عاقل ، قال ابراهيم (ع) لأبيه : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) ـ ٤٢ مريم». وكان لاعرابي صنم يقدسه ويعبده ، وجاءه ذات يوم ليسجد له كعادته فرأى ثعلبا بالقرب منه ، فظن ان الثعلب قصده ليتبرك به ، وحين أراد السجود له رأى قذارة الثعلب على رأسه ، فثاب اليه رشده ، وأخذ يحطم الصنم ، ويقول :
ارب يبول الثعلبان برأسه |
|
لقد ذل من بالت عليه الثعالب |
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ). هذا الخطاب موجه بظاهره إلى أهل الكتاب ، وفي واقعه يشمل أهل الأديان جميعا .. والمظهر الأصيل المميز للإسلام انه يحصر النفع والضر بيد الله وحده ، ويضع الإنسان أمام خالقه دون وسائط روحية أو مادية : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ـ ١٢٢ النساء».
(وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ). المراد بالقوم رؤساء الدين الذين يتاجرون به ، ويحرّفونه كما يشتهون .. وقد وصفهم جل ثناؤه بالضلال في أنفسهم أولا ، وبإضلال أتباعهم ثانيا ، ثم بيّن نوع الضلال والإضلال بأنه انحراف عن قصد السبيل (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ). وسواء السبيل هو الاعتدال وترك الغلو في الدين .. وهذا هو الإسلام في واقعه ، دين قويم ، وصراط مستقيم ، وكيلا يقول المسلمون في محمد (ص)