له ، مع ان النبي (ص) يؤمن بالله ، وبنبوة موسى (ع) ، وما أنزل اليه من ربه ، والمشركون يعبدون الأوثان ، ولا يؤمنون بموسى ، ولا بكتاب من كتب الله ، فكان الأولى باليهود ، وهذه هي الحال ، أن يقفوا مع المؤمنين ضد الوثنيين ، لا مع الوثنيين ضد المؤمنين.
ولكن اليهود كانوا وما زالوا يعملون على أساس الربح والتجارة ، لا على أساس الدين ، كان يهود المدينة يسيطرون على التجارة الداخلية ، ومشركو العرب يسيطرون على التجارة الخارجية ، فعمل النبي على تحرير الناس من السيطرتين ، فالتقت مصلحة اليهود مع مصلحة المشركين فتكاتفوا معهم وتضامنوا ضد المؤمنين ، تماما كما التقت اليوم مصلحة اليهود مع مصالح أرباب الشركات الاستثمارية من المسيحيين ضد الشعوب والمستعفين .. وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ٥١ من هذه السورة.
(لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ). هذه نتيجة فسادهم واعتدائهم ، سخطه وعذابه ، وكل امرئ مجزي بما أسلف ، وقادم على ما قدم ، مسلما كان أو مشركان.
(وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِ) ـ موسى ـ (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ). ذكر سبحانه في الآية السابقة أن اليهود ، أو الكثير منهم كانوا يتولون المشركين ، ويؤلبونهم على المسلمين ، مع ان المسلمين أقرب اليهم دينا من المشركين. ثم بيّن سبحانه في هذه الآية ان أولئك اليهود لم يؤمنوا بالله ، ولا بموسى ، ولا بما أنزل في التوراة كما يدعون ، ولو صدقوا في دعواهم ما اتخذوا المشركين أولياء من دون المؤمنين ، لأن ذلك محرم في شريعة التوراة ، (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ). أي ان المسألة عندهم ليست مسألة دين وعقيدة ، وإنما هي مسألة مصلحة ومنفعة ، كما قدمنا.