رؤية العين لا تعمل إلا في مفعول واحد. وما لنا مبتدأ وخبر. وجملة لا نؤمن حال من ضمير الخبر المحذوف الذي تعلق (لنا) به. وما جاءنا (ما) في محل جر عطفا على لفظ الجلالة. والمصدر المنسبك من أن يدخلنا مجرور بفي محذوفة ، أي في أن يدخلنا ، والمجرور متعلق بنطمع.
المعنى :
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا). أي إن اليهود والمشركين أشد الناس عداوة للمسلمين .. وكثيرا ما يستشهد بهذه الآية على أن دين النصارى أقرب إلى الإسلام من دين اليهود .. وهذا خطأ إن أريد دين اليهود والنصارى قبل التحريف ، لأن الدين عند الله وأنبيائه واحد من حيث العقيدة وأصولها ، وان أريد دينهما بعد التحريف فهما فيه سواء : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) ـ ١٩ آل عمران».
والصحيح ان عداوة اليهود والمشركين تتصل اتصالا وثيقا بالتصادم بين طبيعة الدعوة الإسلامية ، وطبيعة النظام الذي كان سائدا في جزيرة العرب أول البعثة .. كان هذا النظام يقوم على أساس التسابق لاقتناء المال والعبيد عن طريق السلب والنهب ، والربا والغش ، وما إليه من أسباب القهر والمكر ، وقد انعكست طبيعة هذا النظام على الكبار من مشركي مكة الذين كانوا يسيطرون على التجارة الخارجية ، كما انعكست على زعماء اليهود في المدينة الذين كانوا يسيطرون على الصناعة والتجارة الداخلية.
وانطلقت دعوة محمد (ص) تنادي بالعدل ، وترفض الظلم والاستغلال بشتى صوره وأشكاله ، وتصدت للمستغلين من اليهود والمشركين بالذات ، وعلى هذا الصعيد التقت مصلحة الطرفين ، وتحالفوا على ما بينهما من التباعد في الدين والعقيدة ، تحالفوا وتكاتفوا يدا واحدة على حرب محمد (ص) العدو المشترك .. وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا).