والهدي ما يهدى إلى الكعبة من الأنعام ، والقلائد الهدي الذي وضعت في عنقه علامة تدل على انه للكعبة ، كي لا يتعرض أحد له. وعلى هذا يكون عطف القلائد على الهدي من باب عطف الخاص على العام ، والقصد من ذكر الهدي مع البيت الحرام والأشهر الحرم ان الهدي يجب أن يكون آمنا هو ومن يسوقه ، لأنه قاصد الحرم الشريف ، بل ان الله سبحانه قد أمّن الطيور والحيوانات ، حرمة ما دامت في حرمه إلا الحدأة ـ نوع من الطير ـ والغراب والفأر والعقرب والكلب العقور .. وكل مؤذ في رأينا.
(ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). بعد أن بيّن سبحانه حرمة الكعبة والأشهر الحرم والهدي أشار إلى أن الحكمة من هذا التشريع ان يعلم الناس ان الله يعلم تفاصيل الأمور في الأرض والسماء ، ومنها التي تصلح الناس في دينهم ودنياهم ، وأية مصلحة أعظم من تأمين الإنسان على حياته وماله ، ولو في وقت من الأوقات ، أو في زمن من الأزمان .. وقد رأينا الدول الكبرى المتطاحنة في هذا العصر تتفق فيما بينها على أن تكون بعض البلاد منطقة محايدة ، لا يجوز للدول المتنازعة أن تشركها في أحلافها العسكرية ، ولا أن تتخذ من أرضها مقرا لقواعدها الحربية ، ولا ممرا لجيوشها المقاتلة.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). قرن سبحانه العذاب بالرحمة والمغفرة ليكون العبد خائفا من نقمته ، راجيا لرحمته. لأنه إذا خاف ابتعد عن المعصية ، وإذا رجا اجتهد في الطاعة. قال الرازي ـ ونعم ما قال ـ : «ذكر سبحانه أنه شديد العقاب ، ثم عقب بوصف الرحمة والمغفرة ، وهذا تنبيه على دقيقة ، وهي ان ابتداء الخلق والإيجاد كان لأجل الرحمة ، والظاهر ان الختم لا يكون الا على الرحمة» .. هذا هو الصحيح.
(ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) ولا يطلب منه أكثر من ذلك ، حيث لا عذر بعد البلاغ لمن أهمل وفرط ، أما الحساب والعقاب فعلى الله وحده : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) ـ ٤١ الرعد». (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) من الأقوال والأفعال (وَما تَكْتُمُونَ). هذا تهديد لمن يسكت عن الحق ، وبالأولى لمن يتاجر به مستترا باسم الدين والوطنية.