وحسبنا مبتدأ ، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي كافينا ، والخبر (ما وَجَدْنا). و (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ عَلَيْكُمْ) اسم فعل بمعنى احفظوا ، وأنفسكم مفعول.
المعنى :
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ). البحيرة بفتح الباء الناقة المشقوقة الأذن ، وكان أهل الجاهلية يفعلون بها ذلك إذا أنتجت عشرة أبطن ، وقيل : خمسة ، ويدعونها لا ينتفع بها أحد. والسائبة الناقة ينذرونها للآلهة ، ويتركونها ترعى حيث تشاء ، لا قيد لها ، ولا راعي عليها ، تماما كالبحيرة. والوصيلة الشاة تلد ذكرا وأنثى معا ، وقد كان من عادتهم إذا ولدت ذكرا يجعلونه للآلهة ، وإذا ولدت أنثى فهي لهم ، وإذا ولدتهما معا لم يذبحوا الذكر ، ويقولون : وصلت أخاها. والحامي الفحل يولد منه عشرة أبطن فيدعونه لا يمنع من ماء ولا مرعى ، ويقولون : حمى ظهره.
وقد بيّن سبحانه أن ذلك ليس من دينه في شيء ، وان الفحل والناقة والشاة يفعلون بها ما يفعلون تبقى على الحل ، كما كانت من قبل ، ولا تحرم بهذه الأباطيل والأساطير.
(وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ). كان أهل الجاهلية يعترفون بوجود الخالق بدليل انهم نسبوا اليه تحريم الحامي والسائبة والبحيرة والوصيلة ، ومع ذلك فقد نعتهم الله بالكفر ، لأنهم نسبوا اليه التحريم كذبا وافتراء. وعليه فكل من نسب إلى الله ما لا دليل عليه من كتابه أو سنة نبيه فهو كافر ، شريطة أن يتعمد النسبة مع علمه بعدم الدليل ، ويسمى هذا بلسان أهل الشرع بدعة ، وفي الحديث : «كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار». والحق ان هذا الافتراض بعيد الوقوع ، ومن الذي ينسب إلى الله حكما من الأحكام ، مع علمه بعدم الدليل عليه؟ .. أجل ، قد يظن الشيء دليلا ، وما هو بدليل.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا