المعنى :
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً). خاطب الله نبيه بهذه الآية بعد ما أمره أن يقول للمعاندين ما تقوم به الحجة عليهم ، وبعد أن تحدث عن أحوالهم يوم القيامة ، والمعنى ان فريقا من هؤلاء الجاحدين يستمعون إلى النبي ، وهو يتلو القرآن ، ولكنهم لا ينتفعون به ولا بغيره من الدلائل والبينات ، لأنهم صمموا منذ البداية على العناد والمكابرة ، حتى أعمى هذا التصميم عقولهم عن رؤية الحق ، وأصم آذانهم عن سماعه.
وتسأل : ان الآية بظاهرها ان الله هو الذي أعمى قلوبهم ، وأصم آذانهم ، وعليه فلا يستحقون ذما ولا عقابا ، لأنهم مسيرون غير مخيرين؟.
الجواب : بما ان قلوب المعاندين لم تفقه القرآن ، وتنتفع به ، وآذانهم لم تستمع اليه سماع فهم وتدبر صح القول مجازا : ان على قلوبهم أغلفة ، وفي آذانهم صمم ، وبما ان الله سبحانه هو الذي خلق القلوب والآذان صحت نسبة الصمم والأغلفة اليه مجازا أيضا ، أما بحسب الأمر والواقع فالمشركون هم المسئولون ، لأنهم عاندوا الحق عن تصميم وارادة .. وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ٧ من سورة البقرة ج ١ ص ٥٣.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الآية تدل بوضوح على ان الإسلام لا يقيس الشيء بما هو في ذاته ، بل بما هو في نتائجه وآثاره ، فالسمع والبصر منفذان للعقل ، والعقل مخطط للعمل ، فإذا لم يتحقق العمل يكون وجود الحواس وعدمها سواء ظاهرة كانت أو غير ظاهرة. وبكلمة ليس في الإسلام داخلي وخارجي ، ولا براني وجوّاني ، فالكل وسيلة إلى منفعة الناس في تدبير معاشهم ، وحل مشاكلهم. قال الإمام علي (ع) : يدعي بزعمه انه يرجو الله ، كذب والعظيم ، ما باله لا يتبين رجاؤه في عمله ، فكل من رجا عرف رجاؤه في عمله.
(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها). كشف محمد (ص) عن حقيقة المزيفين من أصحاب الجاه والمال ، فاضطربوا وأحسوا بالخطر على مصالحهم ، فلجئوا إلى الأكذوبة الكبرى ، وقالوا عن آيات الله : أساطير الأولين ، وهم على يقين ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ، ولكنهم كانوا يلتمسون أوجه الشبهات والمغالطات ،