المعنى :
(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) بعد أن أورد ابراهيم (ع) على قومه الحجة الدامغة من منطق العقل والفطرة ، وأثبت به فساد عبادتهم للأوثان والكواكب ، بعد هذا أوردوا عليه حججهم الواهية ، وقالوا له فيما قالوا : (وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) وخوفوه من بطش آلهتهم به ، فأجابهم ابراهيم (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ). أي ما هذا الحجاج في الله ، وقد هداني إلى معرفته من نفسي ومن الكون ، وتقدم في الآية ٧١ (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) الذي لا يتطرق اليه الشك ، وان ما عداه جهالة وضلالة.
أما التخويف من آلهتهم فقد أجاب عنه بقوله : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) من دون الله ، لأنه لا يضر ولا ينفع ، ولا يبصر ولا يسمع (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) وذلك بأن يسقط الله صنما على رأسي يشجه ، أو كسفا من شهب الكواكب يحرقني .. اذن ، فيجب أن أخاف من الله وحده ، لا من الأصنام والكواكب. (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) فلا أخاف أن يصيبني مكروه من غير علمه وارادته (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) ان آلهتكم ليست بشيء ، وان الله وحده هو الضار النافع ، لأنه خالق كل شيء.
(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً). المراد بما أشركتم الأوثان والكواكب التي يعبدون ، والمراد باشركتم بالله جعلهم لله شركاء ، والمعنى أتريدونني أن أخاف آلهتكم المخلوقة العاجزة ، وأنتم لا تخافون زعمكم وجعلكم لله شركاء .. هذا الزعم الذي هو افتراء محض ، لا حجة له ، ولا دليل عليه! .. وبتعبير أوضح ان ابراهيم قال لهم : أتخوفونني مما لا حول له ولا قوة ، وتأمنون أنتم ، وقد افتريتم واعتديتم على من له القوة والعزة جميعا! ..(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الفريق الذي يؤمن بالله القوي العزيز ، ويكفر بالشريك الضعيف ، أو الفريق الذي يؤمن بالضعيف الذليل ، ويكفر بالقوي العزيز! ..
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ). هذا بيان للفريق الناجي من الفريقين ، وانهم الذين أخلصوا لله في إيمانهم ولم يخلطوا