ومنها أن يصف الله ـ متعمدا ـ بما ليس فيه ، أو يجعل له شركاء وأندادا ، وبنين وبنات ، ومنها أن يدعي النبوة وما هو بنبي ، واليه أشار سبحانه بقوله : (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى : (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) وهي من باب عطف الخاص على العام ، ومثلها قوله سبحانه : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ). أي ان هذا اللعين يدعي القدرة على تأليف كتاب يضاهي القرآن في عظمته ، وقيل : هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وقال آخر : بل هو النضر بن الحارث.
والخلاصة ان كل من نسب إلى الله شيئا ، دون أن يستند إلى قوله الله والرسول ، أو بديهة العقل فهو مفتر كذاب يستحق التوبيخ والعذاب.
(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ). غمرات الموت سكراته وآلامه ، واختلف المفسرون في المراد ببسط أيدي الملائكة : هل المراد به مدها حقيقة إلى الإنسان حين الاحتضار ، أو هو لمجرد التمثيل والكناية عن أهوال الموت؟ ونحن لا نرى مبررا لهذا النزاع ، لأن العقل لا ينفي وجود الملائكة ، ولا أن يكون لهم أيد يبسطونها ، وألسنة يتكلمون بها ، وقد ورد الوحي بذلك فيجب التصديق. وهذا الأصل يعتمد عليه جميع علماء المسلمين في اثبات العقيدة والشريعة.
(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ). هذا كله من كلام الملائكة يخاطبون به المفترين ساعة فراقهم لهذه الحياة ، وهو تأنيب وتوبيخ على افترائهم وتنكرهم للحق .. وفي الحديث : من مات فقد قامت قيامته. ومن هنا قال بعض العارفين : ان للإنسان قيامتين : صغرى ، وهي الموت ، وكبرى ، وهي البعث. وتوبيخ الملائكة لمن افترى على الله كذبا عند القيامة الصغرى إنذار له بما سيلاقيه من الأهوال في القيامة الكبرى. قال الإمام علي (ع) : الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة ، وفك قيود وأغلال إلى أفخر الثياب ، وآنس المنازل ، وهو للكافر كخلع ثياب فاخرة إلى أوسخها وأخشنها ، ومن المنازل الأنيسة إلى أوحشها وأعظم العذاب.