فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). النجوم هنا ما عدا الشمس والقمر من النيرات ، كما يدل عليه سياق الكلام ، وفي كتاب : القرآن والعلم الحديث ، يقول حجة الفلك في العالم السير جيمس جيننز : انه إذا أردنا أن نعرف مكان بيت في المدينة فاننا نسأل عن اسم الشارع الذي يحتويه ، ثم رقمه ، فيقال رقم كذا بشارع كذا ، وكذلك الحال في النجوم ، فإن منها ما هو معروف بأسماء خاصة .. وهي أهم علامات يهتدي بها الملاح في سفينته ، والراكب في سيارته ، والمرتحل على دابته ، وكم قوافل في البحر سارت على خريطة السماء ومواقع النجوم عند ما تعطلت البوصلة.
٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ). والنفس التي نشأ الكل منها هي الإنسان الأول الذي تسلسل منه سائر الناس ، وهو آدم ، وتكلمنا على ذلك مفصلا عند تفسير الآية الأولى من سورة النساء. وذكر الرازي لتفسير قوله تعالى : فمستقر ومستودع ستة أقوال : وأكثر المفسرين على ان المستقر هو استقرار النطفة في أصلاب الذكور ، والمستودع جعلها في أرحام الإناث .. وليس في الآية ما يدل على هذا المعنى ، ولا على واحد من بقية المعاني التي نقلها الرازي.
ور وي عن الإمام جعفر الصادق (ع) انه قسّم المؤمن إلى قسمين : مؤمن إيمانا صادقا مستقرا حتى الموت ، وهو الذي تتفق أقواله مع أفعاله ، ومؤمن إيمانا متزلزلا ومستودعا يفارقه قبل الموت ، وهو الذي تخالف أقواله أفعاله (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ). ومن لا يفقه ويفهم هذه الدلائل الكونية على عظمة الخالق المبدع فهو من الذين عناهم الله بقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ).
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ). المطر مصدر الماء العذب ، ولولاه لأصبحت الأرض صحراء جرداء خالية من كل أثر للحياة ، وأسند سبحانه انزال الماء اليه لأنه مسبب الأسباب ، منه تبتدئ ، واليه تنتهي مهما امتدت حلقاتها (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً) ضمير منه يعود الى النبات ، والمراد بالخضر الغض والطراوة ، أي تتشعب من النبات أغصان غضة طرية.