هي المنبع الموجه لبصيرتنا العلمية. وعلّق الأستاذ توفيق الحكيم على هذا في كتابه فن الأدب بقوله : هذا الاعتراف ولا شك كسب للدين ، فما من أحد فيما مضى ـ أي منذ قرن من الزمان ـ يتصور العلماء يقولون عن الدين مثل هذا القول.
ونعلق نحن على قول الحكيم بأن السر الوحيد لاعتراف علماء القرن العشرين من أمثال اينشتين بأن البصيرة الدينية هي الأصل والمنبع للبصيرة العلمية ، ان السر لهذا الاعتراف هو تقدم العلم في هذا القرن ، وتأخره فيما مضى ، وكلما تقدم العلم اكتسب الدين أنصارا من أمثال اينشتين يعترفون بعظمته ، ويؤمنون بأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ). ذكر سبحانه في الآية المتقدمة مثالا على عظمته بوجود الحياة على الأرض ، وذكر في هذه الآية ثلاثة أمثلة سماوية : الأول انه تعالى أخرج الصبح من الليل ، وهو كناية عن وجود النهار الذي يسعى فيه الإنسان لرزقه وتدبير شئونه. الثاني انه تعالى أوجد الليل الذي يسكن فيه ، ويستريح من العمل بالنهار. الثالث انه سبحانه أوجد الشمس والقمر بمقدار مخصوص من السرعة والبطء بحيث يكون للأرض حركتان : حركة تتم في ٢٤ ساعة ، وعليها مدار حساب الأيام ، وحركة تتم في سنة ، وبها توجد الفصول الأربعة ، وعليها مدار حساب السنة ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) ـ ٥ يونس.
وتسأل : على هذا يكون وجود الليل والنهار نتيجة لدوران الأرض ، فما هو الوجه لاسنادها إلى الله؟.
الجواب : لأنه هو خالق السموات والأرض ، واليه تنتهي الأسباب بكاملها ، وعلى أية حال ، فان المقصود الأول من كل ما جاء في هذه الآيات انه لا شيء من أشياء الكون قد وجد صدفة وجزافا ، وإنما صدر عن عليم حكيم أعطى كل شيء خلقه ، وقدره تقديرا (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ