لا غرابة أن يتولد من الكائن الحي حي مثله ، وأن ينفصل من الجماد جماد ، وإنما العجب أن يتولد الجماد من الحي ، وبالعكس. وقال قائل : إن الحياة تتولد من القوى الطبيعية.
ونسأل هذا القائل ، ومن الذي أوجد الطبيعة وقواها وتفاعلها؟ وإذا كان مجرد التفاعل كافيا وافيا لإيجاد الحياة ، دون أن تتدخل العناية الإلهية ، فلما ذا عجز علماء الطبيعة أن يصنعوا الحياة في معاملهم ، كما يصنعون أدوات المطبخ وما اليها مع انهم قد حاولوا وأوجدوا ألف تفاعل وتفاعل ، وبعد اليأس أعلنوا ان صنع الحياة أصعب منالا من رجوع الشيخ إلى صباه وطفولته.
ولنسلم جدلا انهم ينجحون في خلق خلية حية ، فهل ينجحون في صنع حشرة تعمل بنظام كما تعمل أتفه الحشرات؟ ولندع الإنسان ودماغ الإنسان ، والحيوان وعجائبه في خلقه ، ونضرب أمثلة من الحشرات التي ننفر منها ، ونستعمل المبيدات لها .. يقول المتخصصون بدراسة الحشرات :
إن بعضها يعيش في درجة ٥٠ مئوية تحت الصفر ، وبعضها يعيش هذه الدرجة فوق الصغر ، وبعضها يعيش في الهواء السام ، وبعضها في آبار البترول ، ولها نظم متقنة في حياتها وأعمالها ، وإذا اخترع الإنسان الصواريخ والأقمار الصناعية والعقول الألكترونية فمن المؤكد انه لا يستطيع أن يصنع في المعمل جناح بعوضة ، ولا خلية من جناحها ، فالعقل الانساني عظيم ، ولكن عظمته تصبح عجزا مطلقا أمام القدرة الهائلة التي خلقت بعوضة أو نملة أو نحلة!! وكل هذه بديهيات .. ولكن المصيبة الكبرى اننا ننسى فلا ننظر إلى ما في أعماقنا ، إلى مظهر من مظاهر القدرة الإلهية الحكيمة ، فإذا نظرنا ازددنا ايمانا بما هو أكبر ، ومن هو أكبر ، وكل ما نحتاج اليه هو الايمان ، وكل ما يحتاج اليه أيماننا هو العقل ، لأن الايمان بغير عقل كالوجه بلا عينين.
أجل ، نحن بحاجة إلى الايمان بقدرة الله لنفسر بها ما تعجز عن تفسيره عقول العباقرة .. وقد اعترفت هذه العقول بالعجز عن تفسير الحياة بالطبيعة ، والتجأ الكثيرون من أربابها إلى ما وراء الطبيعة ، إلى قدرة حكيمة عليمة يفسرون بها أصل الحياة (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ). قال اينشتين : ان بصيرتنا الدينية