والعدل ، ونبذ الظلم والوثنية ، وهذه المهمة بطبيعتها تستدعي التناقض والصراع بين الأنبياء وبين عبدة الأوثان والمستغلين ، فالله سبحانه سبب البعثة ، والبعثة سبب العداء ، وبهذا الاعتبار نسب العداء اليه مجازا. جل ثناؤه. قال حكاية عن نوح : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) ـ ٥ نوح. فالفرار يستند إلى دعوة نوح ، ودعوته تستند إلى أمر الله. وزيادة في التوضيح نضرب هذا المثال : رجل ترك ثروة لولده ، فسببت له عداوة الحساد ، فيقال مجازا : خلق له والده حسادا.
(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً). زخرف القول هو الكلام المموّه الكاذب ، ظاهره الرحمة ، وباطنه العذاب ، والمعنى ان الأشرار يوسوس بعضهم الى بعض بالباطل المموه بالحق بقصد الإغراء بعمل القبيح ، ومعاندة الحق وأهله (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) ضمير فعلوه يعود الى عملهم القبيح ، أي عداوة الأنبياء ، وايحاء بعضهم الى بعض ، والمعنى ان الله لو أراد أن يمنعهم جبرا وقهرا عن القبح ما كان منهم ذاك العداء ، ولا هذا الإيحاء ، ولكن حكمته اقتضت أن يتركهم وشأنهم ، وأن يكونوا مختارين غير مسيرين ، فيحاسبون على ما يفعلون ، ويعاقبون بما يستحقون (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) من الكذب ، فعليك البلاغ ، وعلينا الحساب والجزاء.
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي يوحي الأشرار بعضهم الى بعض زخرف القول ليستمع اليه الكفار (وَلِيَرْضَوْهُ) بعد ان استمعوا اليه ، ويعملوا به بلا بحث وتمحيص. وهاء يرضوه تعود إلى ما عادت اليه هاء ما فعلوه. (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) من المعاصي والآثام ، ويتميز المؤمن عن الكافر ، والمخلص عن المنافق.
والخلاصة ان الأبالسة الأشرار يزخرفون القول ليخدعوا به ضعاف النفوس ، ويميلوا اليه ، ويقترفوا الذنوب ، قال أبو حيان الأندلسي : هذا الكلام في غاية البلاغة ، لأنه أولا يكون الخداع ، فيكون الميل ، فيكون الرضا ، فيكون الاقتراف ، وكأن كل واحد مسبّب عما قبله.