الجواب : إن هذا الفرض غير صحيح ، بل هو محال في حق الذين يتأثرون بالحق ودليله ، ويسيرون بوحي من منطق العقل وفطرة الله التي فطر الناس عليها لأن هذه الخوارق دلائل قاطعة لا تبقي مجالا للريب ، أما هذا الفرض في حق الذين تسيطر على جميع مشاعرهم المصالح الخاصة ، ويرونها هي العقل والفطرة والحق والعدل ، أما هذا الفرض في حق هؤلاء فصحيح ، لأن هذا الطراز من الناس موجود بالفعل ، وهم المستعمرون والمحتكرون ، ومن اليهم من الذين يعيشون على السلب والفساد.
والذين يستبعدون هذا الفرض لم يتنبهوا إلى واقع هذه الفئة ، وخلطوا بين منطق العقل ، وبين الموجه الأول للمنتفعين والانتهازيين .. ان العقل من حيث هو ليس إلا مرشدا يأمر وينهى ، ولا يصغي اليه إلا من طلب الحق لوجه الحق ، أما الموجه والقائد للمنتفعين فهو النفع الشخصي ، وهو وحده الذي يقودهم في أعمالهم وسلوكهم ، وهو دينهم وعقلهم ، بل كيانهم وحياتهم ، ومن أجل هذا لا يجدي معهم أي منطق إلا منطق القوة الذي أشار اليه سبحانه بقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) .. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) ولا ينتبهون إلى أنهم الفئة الباغية التي لا يجدي معها منطق العقل والفطرة ، ولا منطق الدين والانسانية ، ولا شيء إلا القهر والغلبة ، فمن الخطأ والضياع أن يخاطب هؤلاء بلغة العلم والانسانية.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ). شيطان الإنس معروف ، وهو كل من يغري الناس بالباطل ، ويلبسه ثوب الحق .. أما الجن فهو من غيب الله ، ونحن به من المؤمنين اجمالا ، ومن حيث المبدأ ، ولا تعنينا التفاصيل لأننا غير مسؤولين عنها ، تماما كما هو الشأن في الملائكة ، ولا غرابة في عداء الأشرار للأنبياء السابقين واللاحقين ، لأنه من مظاهر العداء بين الخير والشر ، وبين الحق والباطل.
وتسأل : إذا كان الله سبحانه هو الذي جعل للأنبياء أعداء من الأشرار ، كما يظهر من الآية ، فلما ذا يعاقبهم على عدائهم للأنبياء؟ وأيضا كيف أمر باتباع الأنبياء ، ثم جعل لهم أعداء يقاومونهم ، ويغرون الناس بالكفر بهم وبرسالتهم؟.
الجواب : ان الله سبحانه بعث الأنبياء ، وجعل مهمتهم الدعوة إلى التوحيد