المعنى :
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً). الحكم بفتح الحاء والكاف هو الحاكم الذي يحكم ويفصل بين الناس ، وتتصل هذه الآية بالصراع والعداء بين النبي والمشركين الذين اقترحوا عليه الخوارق ، والمعنى ان النبي (ص) قال للمشركين انكم تتحكمون في طلب المعجزات ، وتقترحون علي الاقتراحات ، وليس لي أن أتعدى حكم الله ، وقد أنزل عليكم القرآن كافيا وافيا بما تحتاجون من معرفة الحق والحلال والحرام ، مغنيا عن غيره بمبادئه وتعاليمه ، مثبتا لصدقه بأسلوبه المعجز ، وشريعته الخالدة ، وأخباره عن كثير من المغيبات ، فطلبكم المزيد ، والحال هذه ، إن هو إلا عناد ومكابرة.
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ). أي ان المنصفين من علماء اليهود والنصارى يعلمون علم اليقين بصدق القرآن ونبوة محمد (ص). ومر نظيره في الآية ١٤٦ من سورة البقرة ج ١ ص ١٣٣ (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) معنى الامتراء الشك ، وقال كثير من المفسرين : الخطاب للنبي ، والمراد به غيره على طريق التعريض ، أما نحن فنرى ان الخطاب للنبي ، وهو المراد دون غيره ، مع علمنا بأن النبي لا يشك في القرآن ، بل ومحال عليه أن يشك ، وصح توجه الخطاب اليه على عصمته لأنه من الأعلى الى من هو دونه ، من الله لا من سواه. وتقدم ذلك أكثر من مرة.
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً). المراد بكلمة الله هنا القرآن أو الإسلام الذي أظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون ، وهذا هو المراد بتمامه ، أما معنى (صِدْقاً وَعَدْلاً) فهو ان القرآن صادق في كل ما قال ، عادل في كل ما حكم وشرع (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لأنها صدق وعدل ، وكل ما هو صدق وعدل فهو من صلب الواقع ، ولا شيء يقال له صدق وحق وعدل إذا لم يكن له أساس واقعي ، وهذا الأساس لا يتغير ولا يتبدل ، أي لا تنفك عنه الآثار والنتائج المترتبة عليه (وَهُوَ السَّمِيعُ) لما يقولون بما يفعلون ويضمرون.
(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ