(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها). المراد بالقرية كل مجتمع من الناس قلّ أو كثر ، والمعنى انه كما وجد في مجتمعك يا محمد رؤوس للاجرام تمكر وتنصب العداء لدين الله كذلك وجد في المجتمعات السابقة ، ويوجد في اللاحقة أيضا رؤساء يمكرون بأمتهم ، ويقفون موقف العداء للحق وأهله.
وتسأل : ظاهر الآية يدل على ان الله سبحانه هو الذي جعل أكابر المجرمين يجرمون ويمكرون بأهل الحق ، مع العلم بأنه تعالى ينهى عن المكر والإجرام ، ويعاقب عليهما ، فما هو التأويل؟.
الجواب : ان القصد من هذه النسبة اليه جل ثناؤه هو الاشارة إلى أن مشيئة الله قضت بأن تقوم السنن الاجتماعية على أساس التناقض بين المحقين والمبطلين ، بين أرباب السلطان المعتدين ، وبين الناس المعتدى عليهم ، ولا مفر من هذا التناقض والصراع إلا بالقضاء على المجرمين ، ولا بد أن يتم ذلك ، وتعلو كلمة الحق على أيدي دعاة العدل والصلاح ، مهما تضخم الباطل واستطال ، وقد سجل سبحانه ذلك في كتابه ، حيث قال عز من قائل : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) ـ ٤٣ فاطر. ان هذا التكرار تأكيد قاطع بأن العاقبة للمتقين على المجرمين ، مهما طال الزمن ، وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ).
(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ). اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على قولين : الأول ان أكابر المجرمين من العرب اقترحوا على محمد (ص) أن يأتيهم من المعجزات مثل ما أوتي موسى من فلق البحر ، وعيسى من إحياء الموتى. القول الثاني : انهم قالوا له : لن نؤمن حتى ينزل علينا الوحي كما نزل على الأنبياء. وقال الرازي : هذا القول مشهور بين المفسرين. ونحن نرجحه على الأول لأن سياق الآية يدل عليه ، حيث رد سبحانه على أكابر المجرمين بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ). بالاضافة إلى أن طلبهم أن ينزل الله الوحي عليهم يتلاءم مع حسدهم لرسول الله.