الكافرين والملحدين في هذا العصر أكثر ثراء ورفاهية من المؤمنين والعابدين؟.
الجواب : ليس المراد بالحياة في هذه الآية أن يعيش الإنسان في النعيم والرفاهية ، فيأكل طيبا ، ويلبس ثمينا ، ويشرب سائغا .. ان الرفاهية لا تناط بالكفر ولا بالإيمان ، والا كان المؤمنون سواء في الشرق والغرب من حيث الحضارة والرفاهية ، وكذلك الملحدون والكافرون ، ان للرفاهية أسبابا وملابسات لا تمت إلى الإيمان والكفر بسبب .. وانما المراد بالحياة في الآية الايمان والشعور الديني الذي يدفع بصاحبه الى القيام بالواجب كإنسان مسؤول عن سلوكه ، يحاسب عليه ويكافأ على إحسانه بالثواب ، وإساءته بالعقاب.
ولو كان الإنسان غير مسؤول عن شيء لكانت الشرائع والقوانين ألفاظا بلا معان .. ومتى سلمنا بأن الإنسان مسؤول ، ولا يترك سدى يلزمنا حتما أن نسلم بأنه مسؤول أمام من لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .. ولو كان هذا السائل مسؤولا لوجب وجود سائل له ، وهكذا إلى ما لا نهاية.
ومن كفر بوجود السائل الأعلى الذي يسأل ولا يسأل فقد كفر بالمسؤولية ونفاها من الأساس ، لأنه لا مسؤولية من غير سائل ، ومن كفر بالمسؤولية فقد كفر بالحياة الاجتماعية.
وتقول : أجل ، ان الإنسان مسؤول ، ولكن ليس من الضروري أن يكون السائل هو الله ، فللناس أن يختاروا هيئة منهم يكون الإنسان مسؤولا أمامها .. ونسأل بدورنا : إذا أخطأت هذه الهيئة فمن يسألها ويحاسبها ، وان قيل : الوجدان ، قلنا : أولا الوجدان أمر معنوي لا عيني. وثانيا : ان الوجدان مشاع يدعيه كل واحد ، فلما ذا يترك هذا لوجدانه دون ذاك؟ اذن ، لا سائل غير مسؤول إلا الله وحده ، فمن آمن بالله وألزم نفسه بشريعته وأحكامه فقد سار على بصيرة من أمره في عقيدته وسلوكه وإلا كان مثله كمن يمشي في الظلمات ليس بخارج منها.
(كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). أي مثل ما زيّن للمؤمنين أعمالهم أيضا زيّن للمشركين أعمالهم ، والفرق أن تزيين أولئك انعكاس عن الواقع ، وتزيين هؤلاء وهم وخيال.