(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). قال الرازي : هذا نوع رابع من أنواع قضاياهم الفاسدة ـ وتقدم ذكر الأقسام الثلاثة في الآية السابقة ـ كانوا يقولون في اجنة البحائر والسوائب : ما ولد منها حيا فهو خالص للذكور ، لا تأكل منه الإناث ، وما ولد ميتا اشترك فيه الذكور والإناث. سيجزيهم وصفهم ، والمراد الوعيد (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ليكون الزجر واقعا على حد الحكمة وبحسب الاستحقاق.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ). وأي شيء أكثر سفاهة من أقدام الوالد على ذبح ولده بمديته ، أو دفنه حيا تحت التراب ، وقوله بغير علم تأكيد للسفاهة ، أما خسارتهم في الدنيا فتتمثل في قتل أولادهم ، وفساد حياتهم الاجتماعية ، وخسارتهم في الآخرة أدهى وأمر (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) من الأنعام والحرث التي زعموا انها حجر (افْتِراءً عَلَى اللهِ) لأن التحريم منهم وليس منه (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إلى شيء من الخير والرشاد.
قال الرازي : ذكر الله أمورا سبعة ، وكل واحد منها سبب تام في حصول الذم ، وهي الخسران ، والسفاهة ، والجهل ، وتحريم ما أحل الله ، والافتراء عليه ، والضلال عن الرشد ، وعدم الاهتداء .. ثم قال الرازي : فثبت انه تعالى ذم الموصوفين بقتل الأولاد وتحريم ما أحله الله تعالى لهم بهذه الصفات السبعة الموجبة لأعظم أنواع الذم ، وذلك نهاية المبالغة.
ونقول للرازي : إذا كان الله قد ذمهم على الضلال بأعظم أنواع الذم ونهايته فكيف تدعي ان الله هو الذي خلق فيهم الضلال؟ وأي منطق يجيز أن يعاقب البريء ويذم على شيء فعله الذي ذمه وعاقبه؟. لقد تكرر ذلك من الرازي في تفسيره الكبير عدة مرات ، منها ما قاله منذ قريب عند تفسير الآية ١٢٥ من هذه السورة.